الأربعاء, 27 أغسطس 2025 12:03 AM

شمالي سوريا: ارتفاع أسعار المياه يفاقم معاناة الأهالي.. حلول صعبة ومشاريع غير كافية

شمالي سوريا: ارتفاع أسعار المياه يفاقم معاناة الأهالي.. حلول صعبة ومشاريع غير كافية

تعاني قريتا رأس العين وتل أبيض، شمالي سوريا، من نقص حاد في مياه الشرب، الأمر الذي فاقم معاناة السكان الذين يعتمدون على الصهاريج الخاصة في ظل ندرة مصادر المياه وارتفاع الأسعار. وتبلغ تكلفة تعبئة خزان المياه الواحد (خمسة براميل) حوالي 80,000 ليرة سورية (ما يعادل 7.3 دولار)، وتصل إلى 100,000 ليرة في القرى النائية (نحو 9.2 دولار)، مما يشكل عبئًا إضافيًا على العائلات، خاصة مع تردي الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار بشكل عام. ويبلغ سعر الدولار الواحد 10900 ليرة سورية، وفقًا لموقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية.

يضطر سكان قرى رأس العين وتل أبيض إلى تقليل استهلاك المياه بشكل كبير بسبب النقص المستمر وارتفاع أسعار الصهاريج، مما يجعل تأمين المياه للاحتياجات الأساسية تحديًا يوميًا ومصدر قلق دائمًا لهم. وقال زياد السلمان، من سكان قرية شنينة في تل أبيض، لعنب بلدي، إن سعر خزان المياه بسعة خمسة براميل في الشتاء لم يكن يتجاوز 60,000 ليرة سورية (نحو 5.5 دولار)، لكنه ارتفع بشكل كبير مع دخول فصل الصيف، ليصل إلى أكثر من 100,000 ليرة سورية. وأوضح أنه مع رفع أصحاب الصهاريج تكلفة تعبئة الخزان، بدأ السكان بالاقتصاد في استهلاك المياه، لعدم قدرتهم المالية على تعبئة الخزان كل يومين، خصوصًا مع ارتفاع درجات الحرارة. وأشار إلى أنهم ناشدوا المنظمات والجهات المعنية، لكن الاستجابة اقتصرت على إرسال صهاريج لمرة أو مرتين فقط كل شهر، دون تقديم حلول جذرية أو العمل على ضبط أسعار صهاريج المياه.

اشتكت شاهة الزمار من قرية المناجير جنوبي مدينة رأس العين من قلة المياه وندرتها في قريتهم. وقالت شاهة، إنهم مع دخول فصل الصيف زاد احتياجهم للماء بشكل كبير، حيث يصل أحيانًا استهلاكهم لخزان سعة خمسة براميل يوميًا (كل برميل 150 ليترًا)، بين مياه الشرب والتنظيف والطبخ. وأوضحت أن أصحاب الصهاريج يتحكمون بأسعار المياه دون أي رقابة أو ضوابط، ما يزيد من معاناة الأهالي. وأشارت إلى أنها وعائلتها بدأوا بالبحث عن منزل في المدينة، حتى إن اضطروا لترك منزلهم الأساسي، بسبب شح المياه وعدم قدرتهم على شراء خزان المياه بشكل يومي بأسعار مرتفعة. وذكرت أن الوضع انعكس سلبًا على حياتهم اليومية، وأجبرهم على اتخاذ قرارات “صعبة” تتعلق بالسكن والمعيشة، وسط غياب حلول واضحة من الجهات المعنية.

وأثرت هذه الزيادة في حياة السكان، ما جعل الحصول على الماء بأسعار معقولة بمنزلة تحدٍّ حقيقي لهم، في وقت يتقاضى فيه عمال المياومة بين 80,000 و100,000 ليرة سورية. وأدى جفاف الآبار السطحية والارتوازية في القرى إلى تفاقم أزمة المياه وزيادة معاناة الأهالي، نتيجة قلة الأمطار وتراجع منسوب المياه الجوفية، إلى جانب الاستخدام المفرط في الزراعة وغياب الإدارة المستدامة للمصادر المائية.

صاحب عدة صهاريج في تل أبيض ورأس العين علي عمار، قال لعنب بلدي، إن جفاف الآبار السطحية والارتوازية في القرى فاقم أزمة المياه وزاد من معاناة الأهالي، خصوصًا في فصل الصيف الذي يرفع من الطلب على المياه بشكل كبير. وأوضح أن ارتفاع أسعار الصهاريج يعود إلى غلاء المحروقات التي تُستخدم لتشغيل المضخات ونقل المياه، إضافة إلى كثرة الأعطال التي تتعرض لها الآليات بسبب طول المسافات وسوء الطرقات المؤدية إلى القرى النائية. وأضاف أن أصحاب الصهاريج يتحملون تكاليف ومشقة كبيرة للوصول إلى بعض القرى، حيث يضطرون لقطع مسافات طويلة وسط ظروف أمنية ومعيشية صعبة، فضلًا عن قلة مصادر المياه القريبة. وأشار إلى أن بعض هذه القرى تقع على خطوط التماس مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ما يجعل عمليات النقل محفوفة بالمخاطر، إذ قد تتعرض الصهاريج أحيانًا للاستهداف أو لإطلاق النار في أثناء عبورها تلك المناطق. ولفت إلى أن عددًا من الصهاريج تعرض لاستهدافات متكررة، كما تم حرق أحدها بالقرب من نقاط التماس جراء إصابتها بصاروخ حراري، ما أسفر عن إصابة السائق.

مصدر في مديرية آبار المياه بالمجلس المحلي لتل أبيض، قال لعنب بلدي، إن نقص المياه في القرى يعود إلى عدد القرى الكبير وغياب البنية التحتية لشبكات المياه، إضافة إلى ارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة التي لا يستطيع المجلس المحلي تغطيتها بالكامل. وأوضح المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه، كونه غير مخول بالتصريح، أن المديرية نفذت عدة مشاريع لتشغيل الآبار عبر الطاقة الشمسية بهدف تقليل الاعتماد على الوقود وتخفيف التكاليف، لكن العدد الكبير للقرى وحاجتها لمصادر مياه دائمة يفوق قدرة المجلس الحالية. وأشار إلى أن توفير حلول شاملة يتطلب دعمًا أكبر من المنظمات الإنسانية والجهات المانحة، مؤكّدًا أن استمرار الوضع الحالي سيُبقي الاعتماد على الصهاريج مرتفعًا وأسعارها مرهقة للأهالي.

من جانبه، المتحدث الرسمي باسم المجلس المحلي في رأس العين، زياد ملكي، قال لعنب بلدي، إن ارتفاع أسعار المياه يعود بشكل رئيس إلى قطع الكهرباء ومنع المحروقات من قبل “قسد”. وأوضح أن محطة “علوك”، التي تغذي أكثر من 60% من ريف المدينة، تعتمد بشكل كامل على الكهرباء القادمة من مناطق سيطرة “قسد”. وقال إن منع “قسد” دخول المحروقات إلى رأس العين أدى إلى زيادة تكلفة تعبئة خزانات المياه للأهالي، إلا أن المجلس المحلي استجاب لهذه الأزمة بخطة لتركيب ألواح الطاقة الشمسية على آبار ريف المدينة، حيث نفذ أكثر من 16 مشروعًا في هذا المجال لتوفير المياه للسكان القرى. وأشار ملكي إلى أن المجلس المحلي يعمل على ضبط عمل الصهاريج للحد من استغلال الأهالي، إضافة إلى توفير صهريجين للقرى الأكثر حاجة، بهدف تأمين كميات مياه ثابتة بأسعار مناسبة ومن دون رسوم.

وفي تموز 2013، دخلت المحطة حيز العمل بالتزامن مع انخفاض شديد لمنسوب المياه في بحيرة “سد البعث الغربي” التي كانت مصدر مياه الشرب لمحافظة الحسكة، بعد تنقيتها في محطة “الحمة” للمياه. وتدير تركيا منطقتي رأس العين وتل أبيض ومحيطها عبر مركز ولاية أورفا التركية، بينما تشرف المجالس المحلية في المدينتين على تنفيذ المشاريع الخدمية، وتُعد هذه المشاريع خجولة مقارنة بتلك التي تنفذ في شمالي محافظة حلب التي تدار بالطريقة نفسها. وتسيطر “قسد” على المنطقة المحيطة برأس العين وتل أبيض، وتشكل الحدود التركية المنفذ الوحيد للمدينتين والمناطق المحيطة بهما منذ سنوات.

مشاركة المقال: