الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 01:26 AM

فضيحة الـ"بي بي سي": قمة جبل الجليد لأكاذيب الإعلام الغربي وهيمنة اللوبيات الصهيونية.. لعنة غزة تفضح الاستقلالية المزعومة

فضيحة الـ"بي بي سي": قمة جبل الجليد لأكاذيب الإعلام الغربي وهيمنة اللوبيات الصهيونية.. لعنة غزة تفضح الاستقلالية المزعومة

عبد الباري عطوان

أدت استقالة كبار المسؤولين في هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وعلى رأسهم مديرها العام تيم ديفي ومساعدته رئيسة قسم الأخبار ديبورا تورنيس، على خلفية فضيحة فيلم وثائقي بثه برنامج "بانوراما" المعروف بدقته ومهنيته، إلى كشف تحريف فقرات من خطاب لدونالد ترامب. هذه الفضيحة ليست مجرد مشكلة للإعلام البريطاني، بل تعكس انحيازًا واسعًا في الإعلام الغربي الذي يتستر بادعاءات كاذبة عن الحياد وحرية التعبير.

هناك العديد من الأفلام الوثائقية ونشرات الأخبار المنحازة بالكامل لدولة الاحتلال، والتي تتستر على حرب الإبادة في قطاع غزة على مدى عامين كاملين. لم يتم الكشف عن هذه الانتهاكات ولن يتم الحديث عنها، تطبيقًا لسياسة الحكومة، وربما بأمر مباشر من رئيسها ومسؤولين فيها، ولكن لن يتم فضحها، لأن الضحايا من العرب والمسلمين، وليسوا مثل دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الداعم، والمتورط، في هذه المجازر الذي كان يتبنى ويدافع عن السردية الإسرائيلية، ولم يعترف مطلقا بحرب الإبادة ووجودها، ورفض الاعتراف بحرب التجويع في القطاع رغم وثائق الأمم المتحدة الدامغة. إذا كان التزوير يطال ترامب، زعيم العالم الحر والحليف الأكبر لبريطانيا وزعيم حلف الناتو، فكيف سيكون حال "الأعداء" أو أبناء ودول العالم الثالث؟

***

هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" اتخذت موقفًا داعمًا لجرائم دولة الاحتلال، وحجبت معظم السردية العربية والفلسطينية، وفصلت العديد من الصحافيين العرب والمسلمين بتهمة الانحياز إلى الضحية في حرب غزة. في المقابل، منحت الجانب الإسرائيلي مساحة ضخمة لبث أكاذيبه عن الحرب الدموية الإسرائيلية، متجاهلة قيم المهنية والاستقلالية والحياد.

لا يمكن أن ننسى موقف رئيس الوزراء البريطاني الذي اعتبر حرب الإبادة في قطاع غزة، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 70 ألفًا نصفهم تقريبًا من الأطفال، حربًا مشروعة وتأتي في إطار حق الدفاع عن النفس.

منعت اللوبيات الإسرائيلية العديد من الأصوات والمحللين والمعلقين العرب من الظهور على شاشة وسائل الإعلام البريطانية، ومنهم كاتب هذا المقال، الذي كان ضيفًا دائمًا على شاشاتها وميكروفوناتها لأكثر من 40 عامًا، سواء التابعة للدولة أو للقطاع الخاص، الناطقة باللغة الإنكليزية أو العربية. وبلغت الوقاحة بأحد المعلقين الإسرائيليين المشارك في أحد برامج تلفزيون الهيئة الناطق باللغة العربية، وعلى الهواء مباشرة، أن يطالب بمنع عبد الباري عطوان من الظهور، وطرده من المحطة مثلما تم طرده من الأخريات الناطقة بالإنجليزية، وجرت الاستجابة لمطلبه فورًا، ونملك نسخة مصورة لما نقول.

اللوبيات الصهيونية، بهيمنتها على وسائل الإعلام الغربية ومنع السرديات العربية والإسلامية، والآن على معظم منصات التواصل الاجتماعي، دمرت أهم مرتكزات ما يسمى بالقيم الغربية، وأبرزها حرية التعبير وحرية التفكير. وشاهدنا كيف جرى طرد الأساتذة والطلاب ومنع المساعدات المالية عن كبار الجامعات الغربية سواء في بريطانيا أو الولايات المتحدة أو فرنسا وألمانيا، ولعل ما حدث لجامعتي هارفارد وكولومبيا في أمريكا، على سبيل المثال هو أحد الأمثلة وأبرزها التي تؤكد ما نقول.

إن انتقادنا للإعلام الغربي وانحيازه والتحريف ومنع الرأي الآخر الحقيقي، وهيئة الإذاعة البريطانية تحديدًا، لا يعني أن الإعلام العربي والإسلامي يتمتع بالحرية والاستقلالية، ولكن الفرق أنه معروف بقمعه للرأي الآخر، واعتقال، بل واغتيال بعض الكتاب والصحافيين، ومنع وسائل الإعلام المستقلة أو حتى الشبه مستقلة، ولا ينكر هذه الحقيقة.

الرئيس الأمريكي ترامب الذي يحتفل بالانتصار على هيئة الإذاعة البريطانية ويهدد بمقاضاتها، وفضح تحريفها لخطابه، لم يوجه كلمة تعاطف واحدة مع أكثر من 250 صحافيًا فلسطينيًا من أبناء القطاع والضفة الغربية وجنوب لبنان اغتالهم رصاص الجيش الإسرائيلي لمنع وصول الحقائق عن فصول حرب الإبادة والتجويع، وعلى رأس هؤلاء الشهيدة شيرين أبو عاقلة التي تحمل الجنسية الأمريكية، بينما تدخل جيوشه الحروب، وتفرض حكومته الحصار والعقوبات ضغطا للإفراج عن صحافي امريكي ابيض.

عندما ينجح اللوبي الصهيوني في بريطانيا على طرد غاري لينكر أشهر لاعبي كرة القدم في بريطانيا، وربما في أوروبا، من تقديم برنامجه الأسبوعي الأكثر شعبية ومشاهدة في الـ "BBC" (مباراة اليوم) والذي قدمه لأكثر من 26 عامًا، والتهمة التعاطف مع ضحايا حرب الإبادة من أطفال غزة، فإن هذا يلخص حرية التعبير والمهنية والاستقلالية في هذه المحطة، ومعظم المحطات والصحف الغربية الأخرى، وسيطرة الإسرائيليين عليها.

فضيحة الـ"بي بي سي" هذه التي جاءت في الوقت المناسب، هي مجرد البداية، وقمة جبل الجليد من الكذب والخداع، والوقوف في خندق الجزار وليس الضحية، وربما تكون بداية اصلاح الأخطاء القاتلة هذه أيضا، او هكذا نأمل.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم

مشاركة المقال: