الخميس, 18 سبتمبر 2025 12:17 AM

معرض ضياء العزاوي "شهود الزور" في بيروت: صرخة فنية ضد تزوير التاريخ ومآسي المدن العربية

معرض ضياء العزاوي "شهود الزور" في بيروت: صرخة فنية ضد تزوير التاريخ ومآسي المدن العربية

في غاليري "صالح بركات"، يقدم معرض "شهود الزور" للفنان ضياء العزاوي جداريات ضخمة وتجهيزات طينية ونحتية تجسد مآسي المدن العربية من بغداد وحلب والموصل إلى غزة. يعكس الفنان العراقي، ضياء العزاوي، من خلال فنه، مأساة الشعوب، مسجلاً الذاكرة البصرية للألم والدمار، ومواجهاً تزوير التاريخ والهوية.

معرض ضخم في بيروت لفنان تشكيلي كبير هو ضياء العزاوي (1939)، العراقي الذي يحمل هموم الوطن العربي، من بغداد إلى غزة مروراً بحلب وبيروت. يعبر عنها بجدارياته الضخمة ومجسماته الأرضية الطينية الهائلة، مفجراً فيها ألمه وحزنه على مدن الحضارة والإنسان العربي.

إلى مآسي مدن العراق (بغداد والموصل) وسوريا (حلب) ولبنان (مجزرة صبرا وشاتيلا)، تضاف اليوم مأساة غزة الكبيرة إلى أوجاع العزاوي. يراها رسماً بعيني ابنة ابنته من زوجته السويدية، التي أثقلتها إبادة غزة، فراحت تسأل وتهتم وتطرح على جدها سؤال الهوية.

أثناء افتتاح معرضه "شهود الزور" في غاليري "صالح بركات"، أوضح العزاوي أن تيمات المعرض ثلاث: تدمير العراق من قبل الاحتلال الأميركي، وانتفاضة الشباب العراقي ضد القوى الفاسدة، وغزة والدمار والموت فيها، انطلاقاً من أسئلة حفيدته التي نظرت بعينيها إلى المأساة وأنجزت دفتر رسوم من وحي السؤال عن الهوية.

يريد ضياء العزاوي أن يكون شاهداً غير محايد على الحرب، مدركاً مسؤوليته في تخليد الحدث العربي وتسجيله بالعمل الفني، بصفته إنساناً عربياً وعالمياً يعري الظلم والمآسي بالذاكرة البصرية المرسومة كبيان فزع وغضب.

تقول سوزان سونتاغ في كتابها "الالتفات إلى آلام الآخرين" إن البشر محميون عامة من أهوال الحرب، ولن يستوعبوا حقيقتها إلا إذا استطاع آخرون (فنانون، كتاب، فلاسفة) جعلها مرئية بما فيه الكفاية.

ولا أوضح من فن ضياء العزاوي لتظهير أهوال الحرب بأعمال قاتمة، صادمة، ومؤثرة. يعبر العزاوي عن فظاعات الحروب والموت والدمار ومعاناة الإنسان من خلال تكوين المشهد الموصول للحياة والموت والعنف البشري. الأحجام الكبيرة (الجداريات) تمثل كبر حجم المآسي والكوارث، بتأثير من النقوش الجدارية الآشورية.

كانت الذاكرة ولا تزال عنصراً ثابتاً في فن ضياء العزاوي، خصوصاً أنه درس الآثار في جامعة بغداد قبل دخوله عالم التشكيل. استكشف الفنون القديمة والشعبية واستخدم الماضي لفهم الحاضر انطلاقاً من الثقافة البصرية الرافدينية، ثم انخرط ضمن الرؤية الرفضية واتخاذ الموقف التي طبعت جيله الفني مع أمثال اسماعيل فتاح، ورافع الناصري، ومحمد مهر الدين، وصالح الجميعي وهاشم السمرجي، رافضين فكرة الفن كتمثيل للعالم، ومحتضنين مفهوم الفن كمساحة خيالية تتشكل فيها حقائق سياسية وتأملات في المعاني الإنسانية.

من هنا انخراط العزاوي العاطفي والإنساني في الحوادث المأساوية من حروب ودمار ومجازر تهم المجتمعات العربية بأسرها، أو حتى مجموعات عرقية أخرى مثل الأكراد.

شعر العزاوي وآخرون في مجموعة "الرؤية الجديدة" في الفن العراقي بصلة وقرابة إزاء القضية الفلسطينية. ومن هنا اهتمامه القوي والمزمن بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فقد رسم منذ عام 1975 الهجوم المأساوي على مخيم تل الزعتر، وصولاً إلى مجزرتي صبرا وشاتيلا عام 1982، ناقلاً الألم الذي يمكن لكل ناظر إلى أعماله التعاطف معه.

أنجز من وحي مذبحتي صبرا وشاتيلا "لسنا مرئيين بل جثث" بالحفر المائي والطباعة الحفرية وبالأسود. وهي ستة أعمال تبقي المذبحة حية وتعكس ــــ بواسطة التفاعل الكيميائي للحمض الذي يغلي ويأكل معدن اللوحة المحفورة ـــــ ذاك الألم الذي يخترق جسد الإنسان، يضطرم فيه وينهشه.

الألم والفجيعة ماثلان دوماً في أعمال العزاوي. يضم معرض "شهود الزور" سلسلة من أعماله القديمة والجديدة التي استلهمها من التاريخ المديد والمشترك للعالم العربي: من بلاد الرافدين القديمة إلى زمننا المعاصر. يضيء على المآسي والمظالم والدمار وضحايا الظلم والعنف والاستبداد، مطلقاً صرخة إدانة للشهود الذين زوروا التاريخ والحقيقة، وساعدوا المحتلين ضد شعوبهم وأوطانهم.

في المعرض جداريات ضخمة تغطي جدران الغاليري، وتجهيز طيني ضخم في أرضها يظهر حلب والموصل المدمرتين، وأعمال نحتية معلقة، ورسوم عن "ليلة الإبادة" أنجزها الفنان في بداية الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، فضلاً عن دفتر الرسوم الجديد تحت عنوان "غزة: الألم الذي فتح عيني ابنتي".

يرسم ضياء العزاوي موقفاً أخلاقياً من القضايا التي يعالجها. يمارس الفن كمواجهة للظلم والموت والدمار وتزوير الهوية. حين أنجز رسماً لقصيدة "تل الزعتر" لمحمود درويش، تعمق في النص بصرياً ليبدع شيئاً مرتبطاً بالصوت أكثر منه بالنص.

نقف مدهوشين أمام التجهيز الضخم "أطلال مدينتين: الموصل وحلب" الذي يحتل مساحة نحو خمسين متراً مربعاً من أرضية الغاليري.

يجسد العمل بمادة الطين ما تعرضت له المدينتان، العراقية والسورية، في العقد الأخير من جرف لمعالمهما الحضارية والحضرية. تطغى صورة الضحية الباقية تحت الأنقاض جسداً سحقه الدمار والجدران المحطمة فوق رؤوس البشر.

تجهيز "أطلال مدينتين" مؤثر إلى آخر حد، ولعله فريد على مستوى الفن العالمي.

لعلّه يمكن وصف معرض ضياء العزاوي بـ "قوة التأثير". إنه التأثير المتأتي من المضمون أولاً، ومن القيمة الفنية ثانياً، ومن التقنيات والأساليب والمواد المستخدمة ثالثاً، إنما أيضاً من حجم الأعمال التي لا تنشد الضخامة من أجل الضخامة، بل إن ضخامتها فرضتها المواضيع وحاجة التعبير لدى العزاوي.

* "شهود الزور": حتى 31 تشرين الأول (أكتوبر) ـــ غاليري "صالح بركات" (كليمنصو)

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: