شبكة أخبار سوريا والعالم/ مع انتهاء الحرب على غزة، تتجه أنظار العالم نحو مستقبل السلام والاستقرار في المنطقة، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي في خطابه بشرم الشيخ، بالإضافة إلى قادة المنطقة الذين شهدوا توقيع اتفاق إنهاء الحرب. ومع ذلك، يظل الوضع معقداً، خاصة في ظل حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل تسعى للتغلب على مشاكلها الداخلية وتعزيز نفوذها الاستراتيجي.
بعد عامين من الصراع في غزة، الذي خلف دماراً وخسائر بشرية كبيرة، واجهت إسرائيل خسائر سياسية واقتصادية وجيوسياسية كبيرة، وفشلت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، مما أضعف مكانتها الإقليمية والدولية. هذا الوضع أدى إلى تفاقم التوترات الداخلية في إسرائيل، ودفع القيادات المتطرفة للبحث عن ساحات جديدة لتوجيه قوتها وتحقيق إنجازات استراتيجية، وتبرز سوريا كهدف رئيسي في هذا السياق.
لماذا سوريا؟
تعتبر إسرائيل سوريا جزءاً أساسياً من مشروعها الاستراتيجي لتغيير شكل الشرق الأوسط، حيث تسعى لتفكيك دول المنطقة وتحويلها إلى كيانات صغيرة على أسس عرقية وطائفية. سوريا، بتنوعها العرقي والطائفي وموقعها الجغرافي بين العراق وتركيا، تمثل نموذجاً مثالياً لتطبيق هذه الرؤية، حيث يمكن أن تمتد تأثيرات أي تغييرات فيها إلى الدول المجاورة.
تركز إسرائيل على مشاريع عسكرية وأمنية متعددة في سوريا، مثل "ممر داود" و"الممر الإنساني" في السويداء والمنطقة العازلة في الجنوب، بعضها قيد التنفيذ، والبعض الآخر لا يزال في مرحلة التخطيط. هذه المشاريع تمكن إسرائيل من تعزيز وجودها وتأمين مصالحها الاستراتيجية.
بالإضافة إلى ذلك، يمثل الوضع الأمني والسياسي الهش في سوريا فرصة لإسرائيل للتدخل بشكل أوسع، خاصة مع وجود أربعة جيوش تتنافس على النفوذ، وحالة الاستقطاب السياسي الداخلي التي تزيد من ضعف البلاد.
تبرر إسرائيل تدخلها المستمر بحجة "الفراغ الأمني" في جنوب سوريا، بعد منع دمشق من السيطرة على هذه المناطق، مما يتيح لها البقاء وتوسيع عملياتها عند الحاجة.
طريق الحرب أو الاستسلام
تفرض إسرائيل شروطاً صارمة في سوريا، حيث تقدم خيارين فقط: إما خضوع سوريا الكامل لمطالبها، بما في ذلك التنازل عن الجولان وجنوب البلاد، أو الدخول في صراع مفتوح. وتعتقد إسرائيل أنها في موقع قوة بسبب ضعف دمشق وتفككها، بالإضافة إلى نجاحها في إضعاف نفوذ إيران هناك.
هذه الحسابات أدت إلى تعثر المفاوضات الأمنية مع سوريا، التي كانت تسعى لتوقيع اتفاقات تحد من التصعيد، بينما تفضل إسرائيل إبقاء الوضع مفتوحاً للحفاظ على مكاسبها وتحقيق المزيد منها.
حتى كبار المسؤولين السابقين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يعترفون بأن التوصل إلى اتفاق أمني الآن ليس في مصلحة إسرائيل، لأنه سيقيد حركتها ويجبرها على التنازل عن مواقع استراتيجية مهمة.
هل يمكن الاعتماد على خطط الإدارة الأمريكية؟
تسعى إدارة ترامب إلى إعادة تشكيل النظام الأمني في الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الأمريكية وحلفائها. وفي هذا السياق، يبدو أن سوريا جزء من هذا النظام الجديد، سواء من خلال تفاهمات إقليمية أو حسابات أمريكية لتقليل النفوذ الإيراني والروسي.
لكن على الرغم من ذلك، لا يمكن الاعتماد بشكل كامل على دعم واشنطن لسوريا، خاصة في ظل علاقاتها القوية مع إسرائيل. فواشنطن تدعم شروط إسرائيل في أي اتفاق محتمل، ولا تعترض على انتهاك السيادة السورية في بعض الأحيان، مما يظهر تناقضاً بين السياسة الأمريكية تجاه النظام الأمني الإقليمي ومصالح إسرائيل في سوريا.
الخطر الحقيقي
يبقى الخطر الأكبر على سوريا هو استمرار هيمنة الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، التي تتبع سياسات مبنية على مواقف دينية وتوراتية، وتتبنى مشاريع توسعية مثل "ممر داود" و"إسرائيل الكبرى". هذا الواقع يجعل أي أمل في استقرار طويل الأمد في سوريا مرهوناً بقدرة دمشق على التعامل مع هذه التحديات، أو إيجاد مخرج سياسي يخفف من تصعيد الأوضاع، وإلا فإن الحرب قد تصبح الخيار الحتمي.
الجزيرة