تعاني أحياء الانتفاضة والدرعية في الجانب الغربي من مدينة الرقة، بالإضافة إلى حي الرميلة وسوق الأغنام في الجانب الشرقي، من أزمة بيئية وصحية متفاقمة نتيجة لتراكم النفايات في الشوارع والأزقة. ويعود السبب الرئيسي لهذه الأزمة إلى قرار بلدية الرقة باستبعاد هذه الأحياء من خطة النظافة الرسمية، وتحميل السكان مسؤولية التنظيف بشكل كامل، في ظل نقص العمال والمعدات والموارد.
أهالي هذه الأحياء يعبرون عن استيائهم الشديد من هذا الوضع. محمود الكاظم (32 عامًا) من حي الانتفاضة، قال: "نعيش في ظروف صعبة للغاية، فالشوارع مليئة بالقمامة، والروائح الكريهة تصل إلى منازلنا، ولم نعد قادرين على تحمل هذا الوضع." وأضاف: "كان من الأجدر بالبلدية توفير البنية التحتية المناسبة من طرق وأرصفة وصرف صحي، ثم مطالبة السكان بالمساهمة في التنظيف."
وفي السياق ذاته، ذكر نواف العلي (44 عامًا) من حي الرميلة: "نعاني يوميًا من أمراض جلدية وتنفسية بسبب تراكم النفايات. حاولنا التواصل مع البلدية ولكن لم نتلق أي استجابة." أما فواز الحسين (43 عامًا) من حي سوق الأغنام، فقد عبّر عن استيائه قائلاً: "أخبرونا أن النظافة أصبحت مسؤوليتنا، ولكن كيف يمكننا القيام بذلك ونحن نعيش تحت خط الفقر؟ لا توجد معدات ولا مواد تنظيف ولا عمال."
من جانبها، أوضحت البلدية أن هذا القرار يأتي ضمن خطة لتوزيع الأعباء بين السكان والبلدية، وذلك بسبب النقص الحاد في الموارد المالية والبشرية. وأشار مصدر مسؤول في بلدية الرقة إلى أن الوضع الحالي فرض إعادة تنظيم خدمات النظافة. ومع ذلك، لم يقتنع السكان بهذا التبرير، معتبرين أن استثناء أحيائهم الفقيرة من الخطة الرسمية هو تهميش واضح يعرضهم لمخاطر صحية جسيمة.
وفي ظل هذه الظروف، ظهرت مبادرات شعبية، ولكنها تفتقر إلى الدعم الكافي. وأفاد أحد أعضاء "كومين" حي الانتفاضة أن القرار جاء بناءً على اقتراح من مجالس الأحياء، حيث طُلب من رؤساء المجالس الفرعية والكومينات تنظيم حملات تنظيف شعبية ذاتية. وجاء في التوجيه الرسمي: "ندعو الأهالي لتحمل مسؤولية نظافة أحيائهم والعمل الجماعي لتنظيف الشوارع، فالاعتماد على الذات هو السبيل للحفاظ على بيئة صحية."
إلا أن السكان انتقدوا هذه الدعوة، معتبرين أنها تفرض عبئًا إضافيًا عليهم في ظل غياب أي دعم لوجستي أو فني. وأكدوا أن تنفيذ حملات نظافة فعالة يتطلب معدات وآليات وإشرافًا من الجهات المختصة.
تعكس هذه الأزمة غياب العدالة في توزيع الخدمات العامة في مدينة الرقة، حيث تُركت الأحياء الفقيرة لمواجهة تداعيات صحية وبيئية خطيرة دون أي دعم فعلي. وتتصاعد الأصوات الشعبية مطالبة بإعادة النظر في السياسات الحالية، وتأمين الآليات وفرق النظافة لجميع أحياء المدينة دون تمييز. وأكد الأهالي استعدادهم للمساهمة في تنظيف أحيائهم، لكنهم شددوا على ضرورة وجود خطة واضحة تشمل توفير الإمكانات اللازمة والإشراف والمتابعة، بدلًا من تحميلهم المسؤولية كاملة دون أي دعم.
تثير هذه الأزمة تساؤلات حول عدالة توزيع الخدمات البلدية في الرقة، وضرورة التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المحلي لضمان حياة صحية وآمنة لجميع السكان، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو وضعهم الاقتصادي.