عنب بلدي – سدرة الحريري: يتصاعد النقاش في الأوساط السورية حول مستقبل شكل الدولة، بين مؤيدين للفيدرالية أو الحكم الذاتي كحل، ومعارضين يرون فيها تهديدًا بالتفكك. بعد ثمانية أشهر من سقوط النظام السوري السابق في 8 كانون الأول 2024، تجددت المطالبات بالفيدرالية، كان آخرها إعلان تأسيس المجلس السياسي لوسط وغربي سوريا في 27 آب الماضي، بهدف تحقيق الفيدرالية كبديل عن المركزية وتعزيز سيادة القانون.
في السويداء، تتواصل التحركات الشعبية التي بدأت بالمطالبة بالحكم الذاتي للمحافظة، وتطورت إلى دعوات للاستقلال الكامل عن الحكومة المركزية. في المقابل، اتخذت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا خطوات متقدمة، بإعلانها في 2014 عن "دستور مؤقت" يضمن حقوق الأقليات والفيدرالية ضمن إطار وحدة سوريا.
مطالب "الفدرلة" أو الحكم الذاتي واللامركزية الإدارية تحكمها صراعات إقليمية وضرورات محلية، ما يجعلها ملفًا معقدًا يتداخل فيه السياسي والأيديولوجي بالأمني والاقتصادي، وهو ما تتناوله عنب بلدي في هذا التقرير من خلال آراء الخبراء.
دمشق تتشدد وتلمح للامركزية
أكد الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في مناسبات عدة رفضه القاطع للانفصال. وفي لقاء مع وجهاء من إدلب بعد أحداث السويداء في 14 آب الماضي، شدد على أن المرحلة الحالية تهدف إلى عودة النازحين ومحاسبة المتجاوزين ومنع محاولات التقسيم أو إنشاء "كانتونات". ووصف المطالبين بالتقسيم بأنهم "حالمون وجهلة سياسيًا"، معتبرًا أن هذه الطروحات لا تحظى بدعم دولي. وأشار الشرع إلى أن الحلول الممكنة في سوريا تشمل جميع الخيارات باستثناء الانفصال، موضحًا أن اللامركزية المنصوص عليها في الدستور تمثل بديلًا عمليًا يحفظ خصوصية المكونات ويصون وحدة البلاد، على عكس الفيدرالية التي يُنظر إليها كخطوة نحو التقسيم. وذكر أن أي محاولات لتقسيم سوريا "لن تجد قبولًا شعبيًا".
تهديد أم مشروع وطني جامع
الخلاف حول الفيدرالية، بين كونها تهديدًا للهوية الوطنية أو مشروعًا جامعًا يعزز المواطنة والانتماء، يمتد إلى نقاش سياسي. الباحث السياسي نادر الخليل يرى أن النقاش حول "الحكم الذاتي" في الحالة السورية لا يقتصر على ثنائية "حل أو تهديد"، بل في كيفية تصميمه وضبط حدوده وربطه بمشروع وطني جامع. ويتفق معه الباحث زيدون الزعبي، الذي أوضح أن التجارب الدولية أظهرت أن الإدارة المحلية الموسعة ضمن سيادة الدولة قد تعزز الهوية الوطنية، كما حدث في ألمانيا وإسبانيا والسويد والدنمارك وفنلندا. في المقابل، قال الزعبي، إن ربط الحكم الذاتي بمنطق إثني أو طائفي قد يقود إلى نتائج معاكسة، مثلما حصل في بلجيكا وإثيوبيا والعراق.
وعليه، فإن الحكم الذاتي ليس وصفة جاهزة، بل أداة تعتمد نتائجها على جودة التصميم وآليات التنفيذ.
المخاوف من التقسيم
المخاوف من التقسيم مشروعة لكنها ليست قدرًا محتومًا، بحسب نادر خليل، فهي مرتبطة بإرث التجزئة وخطوط التماس الطويلة واقتصاد الحرب. ويرى أن الفرصة قائمة إذا تحقق إطار دستوري مرن، ودمج أمني تدريجي، وتوزيع عادل للموارد، ووحدة سوق وطنية، وسردية سياسية تتجاوز ثنائية الأغلبية والأقليات. لذا فإن الخطر الحقيقي ليس في اللامركزية بحد ذاتها، بل في ترك الفراغات التنظيمية لتتكلس وتتحول إلى حدود دائمة.
الاختبار الجوهري هو جودة التصميم، فإذا أفرز مواطنة متكافئة تربط المحلي بالوطني عبر قنوات شفافة للمساءلة والموارد فهو حل وطني، أما إذا فشل في ذلك فسيغدو منصة لانفصال زاحف مقنّع.
خطر البعد الطائفي الإثني
التحدي المشترك بين دعوات اللامركزية أو الفيدرالية أو حتى الانفصال في شمال شرقي سوريا والسويداء ووسط وغربي سوريا، هو مدى منطقيتها من جهة، والظروف الأمنية والمواقف الإقليمية والدولية غير المشجعة، إضافة إلى موقف دمشق الصريح برفض كل ما يشير إلى طابع فيدرالي أو انفصالي. ويبرز خطر آخر لهذه الطروحات يتعلق بارتباطها بمكونات قومية أو مذهبية، فالمجلس السياسي لوسط وغربي سوريا يتشكل أساسًا من المكون العلوي، بحسب ما أوضحه كنان وقاف، بينما يرتبط الطرح في السويداء بمستقبل الدروز كمجموعة عرقية أو مذهبية حصرًا، وهو ما يتكرر على لسان حكمت الهجري. أما في شمال شرقي سوريا، فالمطالبة بحكم ذاتي أو فيدرالية، يتعلق بالدرجة الأساسية بطموحات ثقافية قومية للأكراد. بناء على ما سبق، يمكن تفسير مخاطر الدعوة للفيدرالية أو الانفصال، وهو ما نبه إليه زيدون الزعبي، معتبرًا أن المنطق الإثني أو الطائفي قد يقود إلى نتائج معاكسة وحروب.