الخميس, 11 سبتمبر 2025 02:16 PM

بعد الضربة في الدوحة: هل تسعى أمريكا وإسرائيل إلى إدامة الصراع؟

بعد الضربة في الدوحة: هل تسعى أمريكا وإسرائيل إلى إدامة الصراع؟

بقلم: يحيى دبوق

الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات حركة «حماس» في الدوحة لم تكن مجرد رد فعل على عملية القدس أو خسائر الجنود في قطاع غزة، ولا يمكن اعتبارها «فرصة عملية» كما روجت تل أبيب. بل كانت إعلاناً لحرب شاملة على أي تسوية سياسية أو حل دبلوماسي، ورسالة واضحة للأطراف المعنية والوسطاء: لا حل إلا باستسلام فلسطيني كامل.

منذ السابع من أكتوبر 2023، يظهر سلوك إسرائيل أنها لا ترغب في حل دبلوماسي مع الفلسطينيين. الخلاف داخل المؤسسة الأمنية والسياسية ليس حول التفاوض من عدمه، بل حول التوقيت الأمثل لاستكمال الإبادة، وما إذا كان ينبغي أن يسبق إطلاق سراح الأسرى أم يعقبه، حتى لو عرض ذلك حياتهم للخطر.

الضربة في الدوحة كشفت وأكدت النوايا الإسرائيلية والأمريكية، وفي هذا السياق، يمكن التوقف عند النقاط التالية:

  1. تمسكت الرواية الإسرائيلية بذريعة «عملية القدس»، التي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى إسرائيليين. لكن تبين لاحقاً أن العملية كانت مجرد غطاء لقرار اتخذ منذ أشهر. ورغم التصريحات بأن «القرار اتخذ أول من أمس»، إلا أن الضربة لم تكن «فرصة»، بل «خياراً استراتيجياً مؤجلاً» بسبب حسابات داخلية وسياسية ودبلوماسية، وفي انتظار موافقة الراعي الأمريكي.
  2. تكررت السردية المعتادة في إسرائيل بعد اعتداءات مماثلة، والتي تتحدث عن انقسام بين السياسيين والعسكر. نشرت وسائل الإعلام العبرية روايات عن خلاف بين الجيش والاستخبارات و«الموساد» والمؤسسة السياسية التي أصرت على الهجوم. لكن هذه الروايات مبالغ فيها، وربما مقصودة. الواقع أنه لا يوجد تناقض جوهري بين المؤسستين الأمنية والسياسية حول «أصل» العملية، بل حول «توقيتها».

فـ«الموساد» لم يعترض على الاغتيال نفسه، بل طالب بتأجيله إلى ما بعد إتمام صفقة تبادل الأسرى. أما الجيش، فلم يرفض الضربة، بل أعرب عن مخاوف من تأثيرها السلبي على صفقة التبادل، علماً أن رئيس الأركان، إيال زامير، كان قد هدد بتصفية قيادة «حماس» في الخارج، قائلاً تعليقاً على اغتيال الناطق باسم الحركة، «أبو عبيدة»، إن «معظم قادة الحركة المتبقين يجلسون في الخارج، وسنصل إليهم أيضاً».

يبدو أن الانقسام، إن وجد، هو بين استراتيجية قصيرة الأمد وأخرى طويلة الأمد. القيادة السياسية تريد «صورة انتصار فورية»، بينما يفضل الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى التفكير بتأنٍ ودراسة الخيارات قبل التسرع في اتخاذ قرارات متطرفة. لكن الجانبين يسيران في الاتجاه نفسه ويتبنيان الأهداف عينها.

الضربة لم تكن «فرصة»، بل كانت «خياراً استراتيجياً مؤجلاً»

  1. بدا واضحاً، رغم النفي غير الكامل، أن واشنطن كانت شريكاً في القرار والتنفيذ، والادعاء بأن الولايات المتحدة «أبلغت فقط» هو محاولة لتبرئة البيت الأبيض وتقليل الإحراج أمام قطر. وفقاً للرواية الأمريكية، تلقى الرئيس دونالد ترامب خبر الضربة مسبقاً، وكل ما فعله هو توجيه مبعوثه، ستيف ويتكوف، بإبلاغ الدوحة به. لكن لو أراد ترامب، لكان قال «لا» مباشرة للإسرائيليين، وهو ما لم يفعله، وإن قال لاحقاً إن «الضربة لا تخدم مصالحنا».

تصريحات ترامب نفسه، عن اقتراحه ووساطته وتدخله الشخصي في صوغ مقترح وإرساله إلى «حماس» لدراسته، وإعرابه عن أمله في إمكان تحقيق نتائج، تحت طائلة تدفيع الحركة أثماناً باهظة، إذا ما عارضت الاقتراح، تلفت الانتباه. أثبتت الإدارة الأميركية أنها مستعدة للتجند، ومن رأس الهرم السياسي فيها، في عملية خداعية، كي تنتصر لإسرائيل، حتى لو كلفها ذلك صدقيتها، وخيانة حليف إستراتيجي لها، والتسبب في إنهاء قناة دبلوماسية حيوية. هذه الأفعال تثبت أن الولايات المتحدة ليست «وسيطاً»، بل هي راعية للحرب الإسرائيلية.

  1. الاعتداء الإسرائيلي – الأميركي على الدوحة، رسالة إلى الأنظمة الخليجية، مفادها «أنتم مطية، ولستم شركاء». فالضربة رسالة واضحة إلى هؤلاء، بأن «تحالفكم مع الولايات المتحدة وإسرائيل لا يضمن لكم الحصانة». يبدو أن واشنطن تثق ثقة تامة بأنها مهما أهانت هذه الأنظمة، وانتهكت سيادتها، فإن الأخيرة لن تتجاوز الخط المرسوم لها، ولن تبحث عن تحالفات بديلة، الأمر الذي يعيد ترسيخ الحقيقة القائلة إن التحالف مع الغرب ليس شراكة، بل تبعية.
  2. لم يعد السؤال – في تل أبيب تحديداً -، عن تداعيات الضربة، بل عما إذا كانت قد حققت أهدافها. والإجابة على ذلك غير واضحة إلى الآن. مصادر الحركة تؤكد أن القيادة نجت بالفعل، فيما ترى المصادر الإسرائيلية، نقلاً عن المؤسسة العسكرية، أن «الأمل يتراجع»، في إشارة إلى معلومات توحي بالفشل الاستخباري في سياق النجاح العملياتي. الفشل، إذا ما تأكد لاحقاً، لن يعني فقط نجاة قادة «حماس»، بل إعطاء الأخيرة مبرراً للانسحاب من مفاوضات لاحقة، لا بد أن الجانب الأميركي سيدفع في اتجاهها، لكن مع حوافز معتد بها هذه المرة، لحث «حماس» على استئناف العملية التفاوضية. أيضاً، ستكون إسرائيل أعطت قطر سبباً للانكفاء؛ والعالم صورة عن «دولة» تخرق وعودها والتزاماتها مع الآخرين؛ وهو ما كانت إسرائيل مستعدة لتلقيه بلا مبالاة، لكنها الآن تتلقاه بلا فوائد أملت في تحقيقها.
  3. كان واضحاً، في أعقاب الإعلان عن الاعتداء في الدوحة، التهليل الإعلامي الإسرائيلي. فقد انزلق هذا الإعلام إلى موجة تعبيرات عن نشوة عالية المستوى: مذيعون يصفون العملية بـ»التاريخية»، وسياسيون يتحدثون عن «نهاية حماس»، وآخرون يطلقون تهديدات بـ»تدمير غزة». لكن في اليوم الذي يلي، تغيرت العبارات وتراجع منسوب النشوة، ليحل محله ترقب وقلق. وإذ كانت وسائل الإعلام التابعة لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الأبرز في هذا المشهد، فهي أظهرت الأخير في صورة قائد الحرب الذي لا يلين: قرار شجاع، تنفيذ دقيق، رسالة ردع واضحة؛ لكن تبين أن هذه الصورة مبنية على رمال متحركة.
  4. ما سيلي، سيكون طريقاً مسدوداً بلا فرصة واقعية للانعطاف. يُتوقع استمرار الفراغ الدبلوماسي، بلا وساطة قطرية، ومع تردد مصري، هو رد فعل طبيعي على الاعتداء، الأمر الذي سيفضي بدوره إلى ترسخ حرب الاستنزاف، التي قد تؤدي لاحقاً إلى محاولة إسرائيل فرض إملاءات عبر تدمير مدينة غزة. في هكذا سيناريو، ستكون تل أبيب وكذلك واشنطن، معنيتين بقنوات تفاوض لن يتطوع لها أي طرف، بعدما أصبحت الخشية قائمة من إسرائيل وأميركا لدى الأطراف كافة: لا ثقة ولا ضمانات ولا احترام لالتزامات ولا مراعاة للقنوات الدبلوماسية التفاوضية.

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: