الثلاثاء, 30 سبتمبر 2025 04:02 AM

عيون أطفالنا في خطر: كيف يؤثر ضعف النظر على التحصيل الدراسي؟

عيون أطفالنا في خطر: كيف يؤثر ضعف النظر على التحصيل الدراسي؟

بقلم: د. أكرم خولاني. هل تساءلت يومًا عن سبب تهرّب طفلك من المدرسة أو تراجع مستواه الدراسي فجأة؟ قد يتبادر إلى ذهنك كرهه للدراسة أو وجود مشاكل مع زملائه، لكن السبب قد يكون أبسط من ذلك بكثير: عينيه. تُظهر الدراسات الطبية والتربوية أن ضعف البصر لدى الأطفال يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتراجع الأداء الأكاديمي. فالرؤية السليمة ضرورية للقراءة والمتابعة والمشاركة في الصف. وعندما يعاني الطفل من مشاكل بصرية غير مكتشفة، تظهر علامات تحذيرية مثل الصداع المستمر، وتشتت الانتباه، وضعف التركيز، وحتى سلوكيات غير مفهومة من الأهل والمعلمين.

أزمة صامتة: طفل من كل عشرة

تشير الإحصائيات إلى أن طفلًا واحدًا من كل عشرة يعاني من مشاكل بصرية غير مشخصة. هذا يعني أن مئات الآلاف من الأطفال يذهبون إلى مدارسهم كل عام وهم غير قادرين على رؤية السبورة بوضوح أو قراءة الكتاب المدرسي، وغالبًا لا يشكون لأنهم لا يعرفون أن ما يرونه "غير طبيعي". لذا، يجب أن يكون فحص النظر جزءًا أساسيًا من الاستعداد للعام الدراسي، تمامًا مثل شراء الأدوات المدرسية والزي المدرسي.

أكثر مشاكل النظر شيوعًا بين الأطفال

هناك العديد من مشاكل البصر التي تصيب الأطفال، ولكل منها أعراض وتأثيرات مختلفة. من أبرزها:

  • قصر النظر (Myopia): صعوبة رؤية الأشياء البعيدة مثل السبورة أو شاشة العرض.
  • طول النظر (Hyperopia): صعوبة في تركيز النظر على الأشياء القريبة، مثل الكتاب أو الواجبات المكتوبة.
  • اللابؤرية (Astigmatism): خلل في انحناء القرنية يؤدي إلى تشوش الرؤية.
  • عمى الألوان (Color Blindness): صعوبة في التمييز بين ألوان معينة، وغالبًا ما يكون وراثيًا.
  • اضطرابات التنسيق البصري الحركي: تؤثر على قدرة الطفل على تنسيق حركة العين مع اليد، مما يصعب عليه الكتابة أو الرسم.
  • اضطرابات الإدراك البصري: مشاكل في تفسير المعلومات المرئية رغم أن حدة البصر قد تكون طبيعية.

أسباب ضعف البصر عند الأطفال

مشاكل الرؤية لا تظهر فجأة، بل تتطور تدريجيًا، وقد لا يلاحظها أحد إلا بعد تفاقمها. من أبرز الأسباب:

\n
  • العوامل الوراثية: إذا كان أحد الوالدين أو الإخوة يعاني من مشاكل في النظر، تزداد احتمالية انتقالها للطفل.
  • الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية: كثرة استخدام الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية يؤثر سلبًا على تطور العين.
  • إهمال الفحص الدوري للعين: كثير من المشاكل تُكتشف بالمصادفة أو بعد ملاحظة تغيرات في السلوك الدراسي.

كيف نكتشف وجود مشكلة في الرؤية؟

الأطفال نادرًا ما يعبرون عن صعوباتهم البصرية بالكلام، بل تظهر في تصرفاتهم. من أهم العلامات التي تستدعي الانتباه:

  • الجلوس بشكل قريب جدًا من التلفاز أو الشاشة.
  • تغطية إحدى العينين أو إمالة الرأس في أثناء النظر.
  • استخدام الإصبع لتتبع الكلمات في أثناء القراءة.
  • الشكوى المتكررة من الصداع أو الإرهاق البصري.
  • الانزعاج من الضوء أو كثرة رمش العينين.
  • تراجع الأداء الدراسي أو فقدان التركيز المفاجئ.
  • في حال ملاحظة أي من هذه الأعراض، يُنصح بعرض الطفل على طبيب عيون مختص، دون تأجيل.

التأثيرات النفسية والسلوكية لمشاكل البصر

المشكلة لا تتوقف عند حدود الصف والدرجات، بل تمتد إلى نفسية الطفل وثقته بنفسه. من أبرز التأثيرات:

تراجع التحصيل الدراسي: أكثر من 80% من المعلومات في المرحلة الابتدائية تصل للطفل عبر البصر، لذا فإن أي خلل فيه يؤدي إلى فجوة بالفهم والاستيعاب.

فقدان الثقة بالنفس: يشعر الطفل بأنه "أقل قدرة" من زملائه، مما يضعف من تقديره لذاته.

الانعزال: يتجنب المشاركة الصفية أو التفاعل مع الأنشطة الجماعية.

القلق والتوتر: نتيجة الشعور بالإجهاد أو عدم القدرة على المتابعة.

تأخر النمو المعرفي: ضعف البصر قد يعوق تطور المهارات اللغوية والبصرية.

ماذا يمكن أن نفعل؟

الوقاية والكشف المبكر هما مفتاح الحل، ويمكن اتخاذ خطوات بسيطة لكنها فعالة:

الفحص الدوري للبصر

  • يجب فحص نظر الطفل مرة واحدة سنويًا على الأقل، حتى في حال غياب الشكاوى.
  • بعض المشاكل لا تظهر إلا عبر الفحص الطبي المتخصص.

التعاون بين المدرسة والمنزل

  • المعلمون في موقع مثالي لرصد مؤشرات ضعف البصر داخل الصف.
  • يجب أن يكون هناك تواصل دائم مع الأهل لتبادل الملاحظات.

دعم الطفل نفسيًا عند ارتداء النظارات

  • إشراك الطفل في اختيار شكل النظارة يساعد في تقبّلها.
  • ربط النظارة بشخصيات محببة للطفل أو رموز إيجابية يعزز من ثقته.
  • البدء بارتداء النظارة لفترات قصيرة ثم زيادتها تدريجيًا.

تقليل الوقت أمام الشاشات

  • تطبيق قاعدة "20-20-20": كل 20 دقيقة، ينظر الطفل إلى شيء يبعد 20 قدمًا لمدة 20 ثانية.
  • تشجيع الأنشطة الخارجية واللعب في الضوء الطبيعي لدعم صحة العين.

هل كره المدرسة مجرد عرض؟

قد لا يكون كره الطفل للمدرسة نتيجة كسل أو عناد، بل نتيجة عجزه عن رؤية ما يُكتب على السبورة، أو فهم ما يُشرح في الصف، أو قراءة ما في الكتاب. وعندما يعجز عن مجاراة أقرانه، تبدأ سلسلة من الإحباطات، فيرفض المدرسة، ويُوصف بالضعف أو التمرد، بينما المشكلة الحقيقية عضوية، وبسيطة العلاج.

أخيرًا، صحة العين ليست ترفًا ولا أمرًا ثانويًا، إنها ضرورة تعليمية ونفسية واجتماعية، فالفحص المبكر والعلاج المناسب يمكن أن ينقذ الطفل من سنوات من المعاناة الدراسية، ويعيد إليه حب التعلم، والاندماج مع أقرانه. ربما يكون الحل الأبسط لكراهية المدرسة، هو فقط نظارة طبية.

اقرأ أيضًا: 19 مليون طفل يعانون منه حول العالم.. ضعف البصر عند الأطفال

مشاركة المقال: