لم تنتظر مجموعة أسمنت الشمالية السعودية انتهاء فعاليات منتدى الاستثمار السوري السعودي لتبدأ عملياتها في سوريا، بل بدأت بتوريد الأسمنت بعد أسبوع واحد من التحرير، وشَرعت في إنشاء مصنع لإنتاج الأسمنت الأبيض الذي يمثل حاجة ملحة للسوق السورية. كما دخلت المجموعة في شراكة لاستثمار معمل عدرا بموجب عقد تم توقيعه على هامش المنتدى.
وفي حديث خاص لـ"الوطن"، صرح علي العباس، المدير العام لمجموعة أسمنت الشمالية السعودية لصناعة الأسمنت في سوريا، عن طبيعة العلاقة الاستثمارية مع الشركة العامة لصناعة الأسمنت "عمران" في سوريا، قائلاً: "يمثل هذا العقد بالنسبة لمجموعة أسمنت الشمالية مبادرة تعاون وشراكة حقيقية مع شركة الأسمنت السورية، وذلك في إطار هدف المجموعة بأن تكون شريكاً فاعلاً في صناعة الأسمنت في سوريا، ومساهماً حقيقياً في إعادة بناء سوريا."
وأضاف العباس: "بغض النظر عن حسابات الربح والخسارة واعتبارات المنافسة الإقليمية، فإننا نقوم حالياً بإنشاء مصنع للأسمنت الأبيض، ونتأهب في الوقت نفسه لبناء معمل آخر في سوريا. الأهم الآن هو تطوير الصناعة السورية المحلية، وإذا كانت شركة الأسمنت السورية ستنافسنا في السوق، فإننا نرى أنه من واجبنا مد يد العون للتعاون معها، بعد أن لمسنا تجاوباً وتعاوناً ورغبة صادقة في تطوير المعامل، وتوقاً للمعرفة ونقل الخبرات، ونحن على استعداد تام لذلك."
وفيما يتعلق بخطط المجموعة لتطوير صناعة الأسمنت في سوريا، أوضح العباس: "نتطلع اليوم إلى رؤية استراتيجية واضحة المعالم بشأن استثمار المجموعة في سوريا، كمجموعة عربية سعودية لها استثمارات في دول أخرى، ونسعى إلى أن يكون لنا حضور قوي في سوريا نظراً لأهميتها الاستراتيجية."
وأشار العباس إلى أن هذه الرؤية تعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية: أولها وجود معمل الأسمنت الأبيض الذي تم البدء في تأسيسه في سوريا، وهو أول معمل من نوعه في سوريا، ويهدف إلى تغطية حاجة السوق السورية. وقد بدأ العمل في هذا المشروع مطلع العام الحالي، وبلغت نسبة الإنجاز فيه 80%، ومن المتوقع الانتهاء منه قبل نهاية العام الجاري. أما العنصر الثاني، فهو بناء معمل أسمنت متكامل بخطي إنتاج، بطاقة إنتاجية تبلغ 2 مليون طن لكل خط، في منطقة أبو الشامات، بتكلفة تقدر بـ 250 مليون دولار. والعنصر الثالث يتمثل في توريد الأسمنت إلى سوريا، حيث تعتبر مجموعتنا من أكبر الموردين للأسمنت في سوريا، وذلك منذ منتصف شهر كانون الأول الماضي، حيث كان أول أسمنت مستورد يدخل سوريا من مجموعة أسمنت الشمالية السعودية.
ويرى العباس أن السوق السورية لمادة الأسمنت عانت من فجوة كبيرة بين العرض والطلب خلال السنوات الماضية، وكان هناك احتكار واضح في السوق نتيجة منع استيراد الأسمنت، واقتصاره على إنتاج القطاع العام ومعمل واحد للقطاع الخاص، مما أدى إلى ارتفاع كبير في سعر الأسمنت. وأضاف: "الآن الاستيراد مفتوح والسوق متعطشة للمادة، مما أدى إلى انخفاض بنسبة 40-50% في الأسعار عما كانت عليه في السابق."
وأكد أن الكميات المتوفرة حالياً كافية لتلبية الطلب، حيث أن 60% من الأسمنت الموجود في السوق هو مستورد، مشيراً إلى أن ذلك لم يؤثر على المعامل المحلية، وأن جميع الإنتاج المحلي يتم بيعه، بينما يغطي المستورد الحاجة المتبقية.
وأضاف: "تستهلك سوريا اليوم ما بين 15-20 ألف طن من الأسمنت، ينتج منها حوالي خمسة آلاف طن محلياً، بينما يتم استيراد الباقي."
وأشار إلى أن المرحلة الحالية ستركز على إرسال الخبراء ونقل الخبرات، مؤكداً على أن سوريا كانت دائماً عامرة بالكوادر الفنية المتخصصة، إلا أن الظروف التي مرت بها أدت إلى نقص كبير في الخبرات والبعد عن التكنولوجيا، وأن واجبهم اليوم هو نقل خبراتهم في صناعة الأسمنت إلى سوريا، مستفيدين من تجربتهم الراسخة في العراق.
وأكد العباس أن رؤية الشركة في سوريا ترتكز على أن الخبرات السورية قادرة على مواجهة جميع التحديات، وأنهم يؤمنون بأن صناعة الأسمنت ستتطور بسرعة، وستتمكن من تغطية الطلب المحلي بالكامل، والتحول إلى التصدير.
وفيما يتعلق بالعلاقة القانونية مع الشركة السورية، أوضح العباس أنها علاقة شراكة حقيقية وتعاون ودعم فني وتطوير للكوادر والمعدات، وعلاقة تكامل مبنية على الحقائق المهنية، وأن الشكل القانوني والمالي سيتم تحديده في الأطر النهائية للعقد.
وختم العباس حديثه بالتأكيد على أن سوريا ستكون دولة منافسة في سوق الأسمنت، نظراً لأن سوق الأسمنت مشوهة في دول الجوار، حيث يوجد فائض إنتاج في الدول المجاورة، وأن سوريا ستحظى بقيمة تفضيلية نظراً لانفتاحها على البحر الأبيض المتوسط، مما يوفر لها فرصة تصدير أكبر، مؤكداً التزامهم بكل ما يتطلبه الواجب تجاه بناء سوريا.
محمود الصالح