الثلاثاء, 22 أبريل 2025 12:45 AM

سوريا بين الواقع والوهم الإعلامي: كيف يشكل الإعلام هويتنا وسلوكنا؟

سوريا بين الواقع والوهم الإعلامي: كيف يشكل الإعلام هويتنا وسلوكنا؟

بدا الأسبوع الماضي وكأنه واحد من أهدأ الأسابيع في سوريا منذ فترة. داخليًا، هناك اتفاق بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ولجنة تقصي الحقائق في أحداث الساحل مُدِّد لها. في الجنوب، حُلّت أزمة بصرى الشام و"اللواء الثامن"، وعم الهدوء درعا. وفي السويداء، تسير الأمور السياسية نحو استحسان شعبي، والتنسيق بين وزارة الدفاع والفصائل المحلية، كحركة "رجال الكرامة"، يبدو جيدًا. حتى طارق الشوفي، المعروف بتطرفه، أصبح أكثر اعتدالًا.

خارجيًا، شارك الرئيس في منتدى أنطاليا وزار الإمارات، مما يشير إلى تحسن العلاقات بين البلدين. بالمجمل، كانت هناك حالة من الهدوء والتقدم.

لكن فجأة، ظهر تصريح منسوب إلى باسم أبو فخر، الناطق باسم حركة "رجال الكرامة"، يتحدث عن "خلافات عميقة" مع دمشق وجاهزية الحركة للقتال. انتشر التصريح بسرعة، وتلاه تحليلات صحفية. البعض أدان الكلام، وهاجم آخرون أهل الجبل، لكن أبو فخر نفى ما قيل، موضحًا أن الراديو بث تصريحًا قديمًا في وقت هادئ، ليظهر وكأنه إعلان حرب.

هذا التصرف خلق حالة فوضوية سريالية، تجسيدًا لنظرية "الواقع الفائق" لجان بودريار: لحظة يختلط فيها الواقع بالتمثيل، ويصبح "الوهم الإعلامي" أكثر واقعية من الواقع ذاته. ما حدث لم يكن موجودًا على الأرض، لكنه وُجِد في الإعلام والوعي، وأثار القلق.

كما في الاقتصاد المعاصر، لم يعد المال انعكاسًا للاقتصاد، بل محوره. والإعلام يفعل الشيء ذاته، لا ينقل الواقع، بل يخلقه ويضخّمه، ثم ينتقل إلى الواقع، وهو ما عبر عنه أبو فخر حول أثر "السوشيال ميديا" على السلم الأهلي.

الأخطر أن هذا "الواقع الإعلامي" يستقر في الذهن الجمعي، خاصة للمغتربين الذين يعيدون بناء صور الوطن من خلال الإعلام. حين تنقطع الصلة بالمكان، يصبح المرء هشًا أمام صورة المكان كما يروّجها الإعلام.

الأثر الأعمق لهذا الواقع المصطنع هو أثره على الهوية. التكرار الإعلامي لوصف معين يتحول إلى هوية قائمة بذاتها. مثال على ذلك اسم "الدروز"، الذي لم يختره أهل الطائفة لأنفسهم، بل أطلقه عليهم خصومهم، وتكرر حتى أصبح الاسم المتداول. نفس الآلية تنطبق على اسم "الملكيين الكاثوليك".

هذا النمط من "التماهي مع التسمية الخارجية" يشبه "التماهي مع المعتدي": حين تتبنى الجماعة وصفًا عدائيًا وتعيد إنتاجه كجزء من هويتها.

الإعلام يؤثر على السلوك أيضًا. التكرار اللغوي لوصف طفل بالعنيد يدفعه لتمثل هذا التوصيف سلوكيًا. الكلمة تصبح مرآة، ثم فعل. هذا ما فهمه غوبلز: "اكذب، اكذب، حتى يصدقك الناس".

إنه بناء لواقع فائق، يُدار بجيوش إلكترونية، يخلط الحقيقة بالتمثيل، ويخلق شعورًا جمعيًا يصعب فيه التمييز بين الفعلي والمفروض.

في هذا الزمن المعقد، حيث تُبنى الوقائع من الكلمات وتُصنع السياسات من الصور، يصبح الإعلام فاعلًا نفسيًا وسياسيًا، يعيد تشكيل وعينا وسلوكنا وهوياتنا.

مشاركة المقال: