الخميس, 8 مايو 2025 07:05 PM

سوريا وسنغافورة: حلم الأمان المفقود.. هل يمكن لدمشق أن تصبح جنة آمنة؟

سوريا وسنغافورة: حلم الأمان المفقود.. هل يمكن لدمشق أن تصبح جنة آمنة؟

تخيل سائحة كندية تتمشى مع صديقها في شوارع سنغافورة بعد منتصف الليل دون خوف أو مضايقات. لا نظرات مريبة، لا أسئلة من الشرطة عن علاقتهما، ولا خطر اختطاف أو فدية. يستمتعان بالموسيقى الصادرة من البارات والنوادي الليلية الآمنة.

سناك سوري – دمشق

هذا هو الواقع في سنغافورة، التي تطمح السلطات السورية أن تحذو حذوها، كما صرح وزير الخارجية أسعد الشيباني، الرجل الثاني في البلاد بعد الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع. لكن سوريا تواجه صعوبات جمة في تحقيق هذا الحلم، وتتعامل السلطات معها بإجراءات شكلية، من إغلاق البارات إلى مداهمة النوادي واعتقال شبان لمجرد المشي مع فتيات. يضاف إلى ذلك انعدام الأمان وارتفاع العنف وانتشار السلاح بعد ستة أشهر من بدء العهد الجديد.

وفق مؤشر السلام العالمي 2024، تحتل سنغافورة المرتبة الخامسة عالميًا، والأولى في الأمن المجتمعي. وقد سجلت 4 جرائم قتل فقط في عام 2023 بأكمله.

هذا التباين يطرح سؤالًا هامًا: هل يمكن لسوريا، بعد الحرب والقمع والتشظي، أن تسلك طريق سنغافورة؟ وهل الأمان الذي يتذكره السوريون كذكرى من الماضي يمكن أن يصبح مستقبلًا؟

مقالات ذات صلة

  • الخميس, 8 مايو 2025, 11:18 ص
  • الأربعاء, 7 مايو 2025, 1:46 م

سنغافورة: دولة تُبنى بالأمان لا بالخوف

لم تكن سنغافورة مدينة فاضلة. قبل استقلالها عام 1965، كانت تعاني من صراعات طبقية وعرقية وبطالة وانفلات أمني وتدخلات أجنبية. لكنها وضعت خطة واضحة: جهاز شرطة مدرب ونزيه، وقوانين صارمة تطبق على الجميع دون تمييز. وفق مؤشر السلام العالمي 2024، تحتل سنغافورة المرتبة الخامسة عالميًا، والأولى في الأمن المجتمعي. وقد سجلت 4 جرائم قتل فقط في عام 2023 بأكمله.

وقد نجحت سنغافورة بالوصول لهذه المرحلة لأن العدالة هناك ليست شعارًا، بل مؤسسة تمشي بجوار المواطن، لا تلاحقه.

سنغافورة هي المثال الذي يجب أن نقتدي به، لا حقبة نظام الأسد التي تمثل الاستبداد. النوادي الليلية جزء من قطاع السياحة الفاخرة، وتدر أرباحًا كبيرة، وهي منظمة ومحمية من السلطات. لا يوجد في سنغافورة مسلحون يمكنهم تهديد أي مكان أو شخص.

السياحة رافعة اقتصادية رئيسية لسنغافورة، وفي عام 2024، بلغت مساهمة قطاع السفر والسياحة في الاقتصاد السنغافوري حوالي 25 مليار دولار، واستقبلت البلاد 16.5 مليون زائر، ما وفر أكثر من نصف مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة. النوادي الليلية في سنغافورة تقدم الكحول وأشياء أخرى مثل باقي النوادي في العالم، والحكومة تشجع ما تسميه بالسهر المسؤول والحد من السكر العام، وتحظى بدعم المحافظين.

يوجد أربع دول إسلامية لا يوجد فيها نوادٍ ليلية، أبرزها أفغانستان وإيران، وهما نظامان سياسيان قائمان على التطرف والتشدد. بينما توجد نوادٍ في تركيا، السعودية، الإمارات، المغرب، إندونيسيا..إلخ. وفي سوريا أيضًا توجد نوادٍ ليلية قانونية ومرخصة، لكنها أصبحت بيئة غير آمنة وتواجه تراجعًا يؤثر على السياحة.

وجهات السياحة في سنغافورة المنشودة

النوادي الليلية ليست الوجهة السياحية الوحيدة في سنغافورة، بل الفنادق والشواطئ والجزر والحفلات الموسيقية والمطاعم والنظام العمراني الحديث..إلخ. تتمتع سنغافورة بنظام أمني متقدم لحماية المواطنين والسياح، وعوامل جذب تبدأ من الوجوه المبتسمة وصولًا للنظام والخدمات.

بالمقابل، تتمتع سوريا بمقومات سياحية متقدمة جدًا على سنغافورة، فهي تمتلك المشهد الطبيعي والشواطئ الجميلة، بالإضافة للعراقة والتاريخ والمعالم الأثرية. إلا أن السياحة في سوريا تفتقد لبيئة جاذبة، حيث يعد العامل الأمني أول عنصر يمنع السياح من زيارة البلاد. كما يعد التنوع الثقافي مهددًا نتيجة التحريض على المكونات والانتهاكات التي تمارس بحق بعضها. بالإضافة لذلك يعد التدخل في حياة الناس من العوامل الطاردة للسياح.

هذه عوامل يمكن للسلطات تغييرها بشكل مباشر، بينما هناك عوامل أخرى لها علاقة بالبنى التحتية والخدمات تحتاج لخطط وجهد على المدى الطويل. لكن بالمحصلة رغم ضعف الخدمات تبقى سوريا وجهة سياحية مفترضة لاكتشاف ماذا حدث بها خلال سنوات الصراع، وحتى يمكن أن تكون وجهة للباحثين والراغبين بدراسة نتائج الصراع على الأرض، وهذا كله يرتبط أساسًا بعامل الأمن والحريات الشخصية وحرية الحركة.

سوريا: دولة تعتبر نفسها آمنة… من مواطنيها

في سوريا تاريخيًا كان الأمن يعني السلطة، لا الأمان. الكلمة المفتاحية ليست “الأمن المجتمعي” بل “الأمن السياسي”. تُمارس السلطة وصايتها على تفاصيل الحياة اليومية: اللباس، السلوك، العلاقات، والموسيقى. النظام لا يواجه الفساد، بل يصنعه، ويوظف أجهزته الأمنية كأداة تأديب اجتماعي، لا كأداة عدالة. وهذا فارق كبير عن سنغافورة الحلم، والتي يقوم الأمن فيها على أساس الخدمة لا القمع، وتمتلك شرطة مدربة لا تتدخل بما لا يعنيها وتحمي مواطنيها أيضًا من أي تدخلات لا تعني من يتدخلون فيها. وهي تفصل تمامًا بين الدين والسياحة.

فلسفة سنغافورة: حين يكون الأمن ابنًا للعدالة لا وصيًا عليها

سنغافورة لم تبنِ أمنها على القمع، بل على القواعد. لم تعتمد على استعراض القوة، بل على الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة. فلسفتها بسيطة لكنها جذرية: لا يحق للدولة أن تراقب الناس طالما لم يخالفوا القانون، ولا يحق للمجتمع أن يفرض وصايته على أحد. في سنغافورة، يُمنح الشرطي سلطة واسعة، لكن يُراقب بدقة؛ يُمنح المواطن هامشًا واسعًا من الحرية، لكن يُساءل إن تجاوز القانون. الدين موجود، والهوية موجودة، والتقاليد محفوظة، لكنها لا تُستخدم كأداة ضبط، بل كجزء من الفسيفساء الوطنية. هي دولة مضبوطة بالإدارة والانضباط، لا بالفوضى. الدولة لا تساوي بين الجميع فقط، بل تتدخل لحماية هذا التساوي حين يتعرض للانتهاك.

فلسفة سنغافورة تقوم على معادلة دقيقة: لا أمن بلا كرامة، ولا كرامة بلا قانون، ولا قانون بلا ثقة.

في المقابل، الأنظمة التي تُقايض شعوبها بين الأمن والحرية، تفقد الإثنين. وسوريا، إن أرادت أن تسلك طريقًا شبيهًا، فعليها أن تبدأ من حيث بدأت سنغافورة: الاعتراف بأن المواطن ليس مشكلة يجب ضبطها، بل شريك يجب تمكينه. لا يمكن نسخ تجربة سنغافورة على سوريا كما هي، لكن يمكن الاستلهام منها. يمكن أن تبني سوريا نموذجها الخاص، حيث الأمان لا يُقاس بعدد الحواجز الأمنية، بل بعدد الذين يعودون إلى بيوتهم ليلاً دون أن يعتقلهم أحد.

سنغافورة تذكّرنا أن الخوف لا يصنع دولاً، بل سجونًا موسّعة. أما الأمان، فهو حصيلة عدالة حقيقية، لا مجرد صمت مفروض بالقوة.

الوسوم

مشاركة المقال: