الإثنين, 19 مايو 2025 09:01 PM

الفريكة: موسم الخير يعود إلى حقول حلب وإدلب ليمنح الأمل وسط رماد الحرب

الفريكة: موسم الخير يعود إلى حقول حلب وإدلب ليمنح الأمل وسط رماد الحرب

يعود موسم الفريكة ليبعث الحياة في الحقول الممتدة جنوب حلب وشمال إدلب، ومع بداية شهر أيار من كل عام يمنح مئات العائلات فرصة عمل موسمية طال انتظارها بعد سنوات من التهجير والانقطاع القسري عن الزراعة.

في ناحية الزربة بريف حلب، كما في قرى جبل الزاوية وسهل الروج بإدلب، تعود سنابل القمح الأخضر لتلعب دور البطولة في قصة رزق وتاريخ مشترك، إذ تستعيد الأرض طقوسها، ويستعيد الناس مهنتهم التي توارثوها أبًا عن جد.

يشكّل موسم "الفريكة" مصدر رزق لشريحة واسعة من السكان في شمال غربي سوريا، فهو لا يقتصر على المزارعين فحسب، بل يشمل العمال والتجار وأصحاب السيارات والحصادات، وحتى محال المحروقات وأدوات المهنة، إذ ينتظر الجميع هذا الموسم الذي يقوم على عملية حصاد وحرق القمح قبل نضوجه، على أمل تحقيق مردود مالي يسد احتياجاتهم، في ظل واقع اقتصادي صعب وتضاؤل فرص العمل في المنطقة.

"تحضير الفريكة يبدأ من قرار جريء"، يقول المزارع أبو ماهر من ناحية الزربة في حديثه إلى منصة، وهو يراقب أرضه الممتدة على أطراف الطريق العام. "نختار التوقيت بعناية كي لا تفوتنا اللحظة المثالية لقص السنابل الخضراء. نبدأ عادة بالحصادة، إلا أن بعض الأراضي الواقعة بين الأشجار أو في أماكن وعرة نضطر لقصها يدويًا".

يمر إنتاج الفريكة بعدة مراحل تبدأ بقص سنابل القمح قبل نضوجها، ثم تُعرض هذه السنابل لساعات تحت أشعة الشمس لتجف، قبل أن تُحرق بطريقة دقيقة. يوضح أبو ماهر: "الحرق هو المرحلة الأهم. تختلف طرقه من منطقة لأخرى. في بعض القرى نحرق السنابل على سرير حديدي في كومة واحدة، وفي أماكن أخرى تُنشر لمئات الأمتار على الطرقات، وتُشعل باستخدام أنبوب غاز يصل إلى نقطة النار من مسافة مترين أو ثلاثة".

بعد انتهاء عملية الحرق، تُعبّأ السنابل في أكياس كبيرة، وتُنقل إلى "الدرّاسة" حيث يتم فرز حبة الفريكة عن بقايا ومخلّفات الحرق من قش وأتربة. وتحتاج العملية إلى دقة وصبر، لكنها في النهاية تثمر منتجًا غذائيًا عالي القيمة، يُستخدم في البيوت ويُباع في الأسواق بأسعار مجزية نسبيًا مقارنة بالمحاصيل الأخرى.

رغم مشقة العمل وساعات الوقوف تحت الشمس والنار، لا تغيب أجواء الفرح والتعاون عن الحقول. النساء، الأطفال، كبار السن، وحتى طلاب الجامعات العائدون إلى قراهم، يشاركون في هذا الموسم الذي يتحول إلى مناسبة اجتماعية واقتصادية، تعيد للأهالي جزءًا من حياتهم التي سُرقت بالحرب.

يضيف أبو ماهر: "هكذا، تشتعل نيران في الحقول لا لتأكل الأخضر واليابس، بل لتحوّل السنابل الخضراء إلى أكلة شعبية اسمها الفريكة".

تقول حليمة، إحدى النساء المشاركات في تحضير الفريكة في ريف إدلب: "الفريكة ليست فقط طعامًا نضعه على المائدة، إنها ذكرى أمهاتنا، وموسم رزق لا نريده أن ينقرض. نعيش كل تفاصيله بحب واعتزاز".

ورغم غياب الدعم الزراعي، وارتفاع تكاليف الإنتاج من محروقات وأدوات، يواصل المزارعون التمسك بموسم الفريكة، كجزء من هويتهم الزراعية، وكتعبير عن صمودهم في وجه الظروف القاسية.

مشاركة المقال: