الأربعاء, 10 سبتمبر 2025 12:36 AM

تقرير حقوقي ينتقد لجنة السلم الأهلي في سوريا: تجاوزات تهدد العدالة والمصالحة

تقرير حقوقي ينتقد لجنة السلم الأهلي في سوريا: تجاوزات تهدد العدالة والمصالحة

دعا تقرير صادر عن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" لجنة السلم الأهلي في سوريا إلى تفعيل المشاركة المجتمعية واعتماد معايير واضحة لعملها. وأشار التقرير إلى التحديات المعقدة التي تواجه العلاقة بين العدالة الانتقالية والسلم الأهلي في المجتمعات التي تعقب النزاعات، حيث تتداخل متطلبات المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة مع الحاجة إلى بناء الاستقرار المجتمعي.

وطرح التقرير، الذي صدر في 9 أيلول الحالي، أسئلة جوهرية حول إمكانية التوفيق بين المحاسبة القانونية ومتطلبات المصالحة المجتمعية في الحالة السورية، مؤكدًا على نقاط الالتقاء والتكامل بين العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، ومستعرضًا أخطاء اللجنة والسلبيات الناجمة عن ممارساتها، ومقدمًا توصيات للحكومة السورية واللجنة لتصحيح المسار نحو "المصالحة المجتمعية المستدامة".

يذكر أن لجنة السلم الأهلي تشكلت بقرار من الرئيس السوري، أحمد الشرع، في 9 آذار الماضي، وتضم حسن صوفان، والدكتور أنس عيروط، والدكتور خالد الأحمد، وذلك إثر توترات أمنية في الساحل السوري. وتتمثل مهام اللجنة في التواصل المباشر مع الأهالي في الساحل السوري، وتقديم الدعم اللازم لهم لضمان أمنهم واستقرارهم، وتعزيز الوحدة الوطنية.

إشكالات

تناول التقرير السياق السوري المعقد وما نتج عنه من انتهاكات جسيمة مثل "القتل الممنهج" و"التعذيب" و"الإخفاء القسري" و"الاعتقال التعسفي". وشدد على الحاجة إلى "تصميم دقيق" لآليات العدالة الانتقالية بما يتناسب مع طبيعة الانتهاكات، محذرًا من غياب التنسيق بين الهيئات المختلفة، بما في ذلك لجنة السلم الأهلي، ولجنة (هيئة) العدالة الانتقالية، ولجنة المختفين قسريا، (الهيئة الوطنية للمفقودين).

وسلط التقرير الضوء على "أبرز الإشكالات المتعلقة بعمل لجنة السلم الأهلي"، وعلى رأسها "تجاوز الصلاحيات القضائية، من خلال ممارسة اللجنة لصلاحيات تنفيذية تتعلق بالإفراج والعفو دون تفويض قانوني"، وإصدار قرارات بالعفو دون سند قانوني واضح، ما يشكل "انتهاكًا للمبادئ القانونية". وأشار إلى الإفراج عن ضباط من النظام السابق، وشخصيات قيادية مثل "فادي صقر" لمشاركتهم في "معركة ردع العدوان"، والإعلان عن ذلك في 10 حزيران الماضي. ورصدت الشبكة في تقريرها "استخدام تبريرات عامة وغير محددة، مثل المساهمة في ردع العدوان، دون توضيح كافٍ".

كما اعتبرت الشبكة السورية أن من الإشكالات غياب المعايير والضوابط التي تنظم عمل اللجنة، وصدور قرارات دون الإعلان عن أسسها، حيث رصد التقرير "عدم نشر المعايير التي تستند إليها قرارات العفو والإفراج، بما يقوّض مبدأ الشفافية". وأشارت إلى "الخلط" بين الدور المجتمعي والدور القضائي والتنفيذي، بما يهدد مبدأ استقلال السلطة القضائية، و"تجاهل حقوق الضحايا في المعرفة والمشاركة في عملية اتخاذ القرار".

السلبيات والمسار الصحيح

رصد التقرير جملة من الآثار السلبية التي نجمت عن أداء لجنة السلم الأهلي، منها "تقويض ثقة" المجتمع في مسار العدالة الانتقالية، بسبب اتخاذ قرارات خارج الإطار القانوني، و"إرسال رسائل خاطئة إلى الضحايا توحي بتغليب الاستقرار على العدالة"، و"تعميق خطر الإفلات من العقاب".

ودعا التقرير إلى تصحيح المسار عبر "سنّ قانون خاص بالعدالة الانتقالية" من خلال المجلس التشريعي، مع ضمان مشاركة مجتمعية واسعة، وتنسيق المسارات الأربعة للعدالة الانتقالية: المساءلة، الحقيقة، التعويضات، والإصلاح المؤسسي، إضافة إلى احترام استقلال السلطة القضائية، وضمان حقوق الضحايا في التقاضي ورفع الدعاوى الفردية، والاستفادة من الخبرات المحلية والدولية، مع تكييفها بما يتناسب مع الواقع السوري.

توصيات

وخلص التقرير إلى أن العدالة الانتقالية والسلم الأهلي ليسا مسارين متناقضين، وأن ممارسات لجنة السلم الأهلي التي تتسم بتجاوز الصلاحيات، وغياب الشفافية، وتجاهل حقوق الضحايا، تمثل تهديدًا حقيقيًا لمسار العدالة وتقويضًا لفرص السلام المستدام. وقدم توصيات للحكومة الانتقالية في سوريا، ولجنة السلم الأهلي، والمجتمع الدولي، وكافة الأطراف.

  • للحكومة السورية الانتقالية
    • إعداد إطار قانوني متكامل للعدالة الانتقالية بمشاركة جميع الأطراف المعنية.
    • إعادة تحديد مهام لجنة السلم الأهلي، لتقتصر على الحوار والمصالحات المحلية.
    • ضمان استقلالية القضاء ومنع تدخل أي جهة غير قضائية في صلاحياته.
    • اعتماد الشفافية من خلال نشر جميع قرارات العفو والإفراج مرفقة بتبريراتها.
  • لجنة السلم الأهلي
    • الالتزام بدورها المجتمعي دون ممارسة أي صلاحيات قضائية أو تنفيذية.
    • تعزيز المشاركة المجتمعية من خلال تنظيم جلسات استماع دورية.
    • وضع دليل إجرائي واضح، ومعايير معلنة تحكم عمل اللجنة، إلى جانب آلية رقابة وتقييم مستقل.
  • للمجتمع الدولي
    • تقديم الدعم التقني والمالي للمبادرات المتعلقة بالعدالة الانتقالية.
    • تدريب القضاة والمحققين، ودعم منظمات المجتمع المدني.
    • تبادل الخبرات مع الدول التي خاضت تجارب مماثلة في العدالة الانتقالية.
  • توصيات عامة لجميع الأطراف
    • الالتزام بمبدأ “لا سلام دون عدالة”.
    • اعتماد منهجية تشاركية في العملية الانتقالية.
    • الاستفادة من التجارب الدولية مع تكييفها للسياق السوري.

وأكدت الشبكة السورية أن مسار العدالة الانتقالية في سوريا يجب أن يستند إلى أسس قانونية وحقوقية راسخة، تضمن العدالة والشفافية والمشاركة المجتمعية، محذرة من أن أي تجاوز لهذه الأسس، بما في ذلك "تدخل لجنة السلم الأهلي" خارج نطاق اختصاصها، سيؤدي إلى "تقويض الجهود الرامية إلى بناء دولة القانون وتحقيق المصالحة المجتمعية المستدامة".

تبريرات اللجنة

عضو لجنة السلم الأهلي حسن صوفان، قال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، في 10 حزيران الماضي وحضرته عنب بلدي، إن عشرات الضباط المفرج عنهم خضعوا لتحقيقات ولم تثبت ضدهم أي تهم بارتكاب جرائم حرب، وإن بقاءهم في السجن لا يحقق مصلحة وطنية وليس له مشروعية قانونية. وأكد أن "العدالة الانتقالية لا تعني محاسبة كل من خدم النظام السابق، والمحاسبة هي لكبار المجرمين الذين نفذوا جرائم وانتهاكات جسيمة"، معتبرًا أن هذه الإجراءات ليست بديلًا عن العدالة الانتقالية التي بدأت بالفعل، وهي مهمة اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية التي شكّلت بمرسوم رئاسي، موضحًا أن الإفراج عن هؤلاء الضباط هو جزء من إجراءات السلم الأهلي التي تساعد على تهدئة التوتر المجتمعي.

ولفت صوفان إلى أن وجود شخصيات، على غرار القيادي السابق في "الدفاع الوطني" فادي صقر ضمن هذا المسار، له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها سوريا. وقال، "نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة المقبلة".

مشاركة المقال: