الأحد, 19 أكتوبر 2025 01:27 AM

لماذا تتغير طريقة تفكيرنا بعد منتصف الليل؟ دراسة تكشف أسرار الدماغ الليلي

لماذا تتغير طريقة تفكيرنا بعد منتصف الليل؟ دراسة تكشف أسرار الدماغ الليلي

في سكون الليل، عندما يخيّم الظلام، قد تتسلل الأفكار السلبية والرغبات المفاجئة إلى أذهاننا. لكن الأمر يتجاوز مجرد التعب أو الملل، فالدماغ يتغير فعلياً بعد منتصف الليل، وفقاً لتقرير نشره موقع Science Alert.

تظهر الأدلة العلمية أن الدماغ البشري يعمل بشكل مختلف ليلاً ونهاراً. فبعد منتصف الليل، تصبح العواطف السلبية أكثر جاذبية، والأفكار الخطرة أكثر إغراءً، بينما تضعف القدرة على كبح الاندفاعات.

يعتقد الباحثون أن السبب يكمن في اختلال الإيقاع اليومي (circadian rhythm)، وهو النظام الداخلي الذي ينظم نشاط الجسم والعقل على مدار 24 ساعة.

دراسة نُشرت عام 2022 تحت عنوان «العقل بعد منتصف الليل» (Mind After Midnight) توضح أن أجسامنا وعقولنا مبرمجة للعمل وفق دورة طبيعية تؤثر على العواطف والسلوك. ففي النهار، يكون الدماغ في أعلى درجات اليقظة والنشاط الذهني، بينما في الليل يتحول التركيز نحو الراحة والانغلاق السلوكي، وهو ما كان قديماً وسيلة للبقاء على قيد الحياة.

يشرح الباحثون أن حساسية الدماغ للمحفزات السلبية ترتفع ليلاً كآلية دفاعية تطورت لدى الإنسان لمساعدته على البقاء يقظاً أمام التهديدات. لكن في العالم الحديث، قد تدفعنا هذه الغريزة إلى المخاطرة.

نقص النوم يزيد المشكلة تعقيداً. تقول إليزابيث كليرمان، أستاذة علم الأعصاب في جامعة هارفارد، عند نشر الدراسة عام 2022: «هناك ملايين الأشخاص المستيقظين في منتصف الليل، ولدينا أدلة قوية على أن أدمغتهم لا تعمل بالكفاءة نفسها كما في النهار. يجب أن نبحث هذا الأمر أكثر، لأن صحتهم وسلامتهم وسلامة الآخرين تتأثر بذلك».

الاستيقاظ ليلاً قد يبدو عادياً، لكن نتائجه قد تكون مقلقة. توضّح الدراسة مثالين رئيسيين: متعاطٍ للهيروين يتمكن من السيطرة على رغبته في النهار، لكنه ينهار أمامها في الليل، وطالب جامعي يعاني الأرق يبدأ بالشعور باليأس والوحدة والضياع مع تكرار الليالي الطويلة دون نوم. كلتا الحالتين يمكن أن تكون قاتلة.

بحسب الأبحاث، ترتفع معدلات الانتحار ومحاولات إيذاء النفس بشكل كبير بعد منتصف الليل. دراسات أشارت إلى أن خطر الانتحار بين منتصف الليل والساعة السادسة صباحاً يزيد بمقدار ثلاثة أضعاف مقارنة بأي وقت آخر من اليوم.

دراسة نُشرت عام 2020 خلصت إلى أن الاستيقاظ الليلي يُعد عاملاً مستقلاً يزيد خطر الانتحار، ربما بسبب اضطراب الساعة البيولوجية. وأوضح مؤلفو فرضية «العقل بعد منتصف الليل»: «في هذه الساعات، قد يبدو الانتحار، الذي كان مستحيلاً التفكير به سابقاً، مخرجاً من الألم والوحدة».

الأبحاث تشير أيضاً إلى أن الاستخدام الليلي للمواد المخدرة أكثر خطراً. ففي دراسة أُجريت عام 2020 في مركز مراقب لاستهلاك المخدرات في البرازيل، ارتفع خطر الجرعة الزائدة من المواد الأفيونية بمقدار 4.7 مرات ليلاً مقارنة بالنهار.

قد تُفسَّر هذه السلوكيات جزئياً بـ«دين النوم» أو بإحساس الأمان الذي يوفره الظلام، لكن الباحثين يؤكدون أن هناك تغيّرات عصبية حقيقية تحدث في الدماغ بعد منتصف الليل.

يقول العلماء إن هذه الظاهرة لم تُدرس بما فيه الكفاية. حتى الآن، لا توجد دراسات كافية حول كيفية تأثير الحرمان من النوم وتوقيت الساعة البيولوجية على معالجة الدماغ للمكافأة والاندفاع، ولا يُعرف بعد كيف يتأقلم العاملون في المناوبات الليلية، مثل الأطباء والطيارين، مع هذه التغيّرات العصبية.

لذلك، تبقى هذه الفترة من الليل واحدة من أكثر الأوقات غموضاً في علم الأعصاب. فخلال نحو ست ساعات من اليوم، لا يزال العلماء يجهلون الكثير عن كيف يعمل الدماغ البشري، سواء أكان نائماً أم مستيقظاً.

مشاركة المقال: