الخميس, 8 مايو 2025 02:33 AM

مذكرات فاروق الشرع تكشف: كواليس الاعتزال، اللقاء الأخير بين الأسد والحريري، ورؤيته للثورة السورية

مذكرات فاروق الشرع تكشف: كواليس الاعتزال، اللقاء الأخير بين الأسد والحريري، ورؤيته للثورة السورية

صدر كتاب "مذكرات فاروق الشرع.. الجزء الثاني 2000 – 2015" عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي يغطي فترةً من رئاسة بشّار الأسد (2005 – 2015) استمرّ فيها فاروق الشرع في منصبه وزيراً للخارجية، ثمّ في منصب نائب رئيس الجمهورية، قبل أن يضطرّ إلى الاعتكاف بمنزله في 2013، وإصدار الأسد تعليمات بعدم التواصل معه.

وبدأ مذكراته بالتأكيد على أن أحداث مريبة وأخرى مزلزلة مرت على سوريا منذ بدء تحضير الكتاب، أي منذ استلام بشار الأسد منصب الرئاسة عام 2000، لكنه لم يسرد تفاصيل الأحداث اليومية لمعرفته بأن القارئ يهمه ما خفي منها.

اللقاء الأول ببشار الأسد:

واستهل الشرع مذكراته التي نشرت مجلة “المجلة” مقتطفات منها، بالحديث عن بشار منذ عودته من بريطانيا بعد وفاة أخيه الأكبر باسل (1994)، حيث بدأت عملية التحضير لوراثة أبيه وتكليفه بمهمات سياسية محددة، وتحديداً في لبنان، مع تدرجه في الجيش حتى وصل رتبة “عقيد”.

كان الشرع قد تعرف على بشار، بطلب من الأخير، قبل وفاة أبيه، وفي أعقاب المؤتمر القطري التاسع لحزب “البعث” الحاكم سنة 2000، طلب إليه الأمين القطري المساعد عبد الله الأحمر أن يلقي كلمة تكون بمنزلة البيعة لبشار، ولكن الشرع رفض ذلك، وعلق في مذكراته: “ارتجلت كلمة تحدثت فيها عن مناقب الرئيس الراحل لأنني لم أجد ما يسوغ الإشادة ببشار”، ويبدو أن الرئيس الجديد انتبه لهذا التفصيل ولم يغفره، فقد سيطرت عليه نقمة عارمة على الشرع استمرت حتى آخر يوم له في الحكم.

يقول الشرع إن السبب الرئيس وراء كل ذلك أنه كان يعارضه الرأي في كثير من الأمور، ولعل أولها قرار الأسد إيقاف المنتديات الفكرية والثقافية التي ازدهرت في بداية عهده، وعرفت بـ “ربيع دمشق”، إذ تناولت هذه المنتديات أموراً جريئة وحساسة، فقرر الأسد إغلاقها واعتقال القائمين عليها، ومنهم طبعا نائب دمشق الصناعي المعروف رياض سيف، وبعد إصرار الشرع على معرفة سبب اعتقاله أخبره الأسد أنه كان يستضيف أشخاص كانوا يتحدثون بلغة طائفية”.

رفيق الحريري في مذكرات الشرع:

وعن رفيق الحريري، يحكي الشرع كيف قابله للمرة الأولى في شقة متواضعة مستأجرة من الدولة السورية عام 1986، بعد عامين على تعيينه وزيرا للخارجية. كان أول تعليق له بعد أن تفقد الصالون والأثاث البسيط: “هذا لا يليق بوزير خارجية سوريا”.

كتب الشرع معلقا: “وكأنه يلمح إلى أنه سيساهم في تغيير السكن أو في إعادة تأثيث المنزل، ولقد سمعت لاحقا أنه كان يقدم ذلك لعدد من المسؤولين السوريين الكبار وفي أحد فصوله، ينشر محضر اللقاء الأخير بين الرئيس السوري السابق بشّار الأسد ورفيق الحريري في آب في دمشق، وقد دار بشكل رئيس حول رغبة الأسد في التمديد لإميل لحود رئيساً للجمهورية اللبنانية مقابل معارضة أبداها الحريري في 26/8/2004.

يثني الشرع كثيرا على الحريري، وعلى حنكته وإنسانيته وقد بقي على علاقة ودية معه، يزوره كلما حل في بيروت أو جاء الحريري إلى دمشق، حتى اغتياله في 14 شباط 2005.

وعن يوم الاغتيال، يذكر الشرع أنه كان يومها يقيم مأدبة غداء في مطعم النبلاء في أرض معرض دمشق الدولي، أدخل مساعده قصاصة ورقية كتب عليها أن انفجاراً ضخماً قد وقع في بيروت، وأنه ربما استهدف موكب رفيق الحريري، ويضيف: “اتصلت بالرئيس بشار من الهاتف المحمول، لأستفسر منه إن كان سيرسل أحداً إلى بيروت أو يرسل تعزية، تساءل بشار: هل تكون البرقية بروتوكولية أم سياسية؟ أكدت له أن تكون سياسية لأن المستهدف من هذا الاغتيال هو سوريا ولبنان”، ولم يمضِ  إلا وقت قصير، وبدأت الاتهامات توجه إلى النظام الأمني السوري في لبنان، وإلى بشار الأسد شخصيا، فقررت سوريا الرسمية تجاهل الحدث بشكل كامل، وفي أثناء التشييع، تفاجأ الشرع برؤية نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام بين المشيعين، لكونه صديقا مقرباً من الحريري، اتصل بالأسد مستفسراً إن كان قد أوفده إلى بيروت فنفى الأخير علمه بسفره، ورفض تكليفه بتقديم واجب العزاء باسم سوريا ورئيسها.

اللقاء مع “إيهود أولمرت”

تطرق الشرح إلى مساعي رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان آنذاك في الوصول إلى اتفاق سلام بين سوريا و”إسرائيل”، والجمع بين الأسد ورئيس وزراء “إسرائيل” أيهود أولمرت، وقد وجد الفرصة السانحة في أثناء انعقاد قمة الاتحاد من أجل المتوسط في باريس منتصف شهر تموز 2008، بحضور الأسد وأولمرت وعدد كبير من الرؤساء، يقول الشرع: “أخبرني الأسد بأن أية صيغة سلام يوافق عليها هو شخصياً سيسير الشعب السوري خلفه مؤيداً من دون تدقيق في بنود هذا الاتفاق”، لكن لم يحدث ذلك اللقاء.

الثورة السورية:

يقول الشرع إنه طلب من الأسد مراراً أن يقوم بإصلاحات داخلية تكون جدية وجذرية، منها محاربة الفساد، وإطلاق سراح المعتقلين، وحرية الأحزاب، ورفع الأحكام العرفية، لكي تصل سوريا إلى ما يصفه بالدولة التعددية الديمقراطية، ثم جاءت حادثة اعتقال أطفال درعا لأنهم كتبوا على جدران مدرستهم “جايك الدور يا دكتور”، كانت شهادة الشرع في هذا الحدث على الشكل الآتي: “زعمت التعليقات أن أظافر بعض أطفال درعا اقتُلعت في أثناء التعذيب، لكن أخبرني اللواء هشام اختيار رئيس مكتب الأمن القومي، الذي قام بتسليم التلاميذ إلى أهلهم باليد، أنه لم يلحظ أن أحدا من الفتيان اقتلعت أظافره”.

انفجرت المظاهرات العارمة والسلمية في طول البلاد وعرضها، مطالبة بالإصلاحات قبل أن يتحول مطلبها إلى “إسقاط النظام”، في درعا حُطم تمثال حافظ الأسد، فدعا بشار فريقه الحزبي والسياسي إلى اجتماع، يصف الشرع أجواءه بالقول: “كان واضحاً لي أن انزعاجه كان متمحوراً حول ما أصاب صورته من تشويه في درعا بالدرجة الأولى، فقال بصوت متهدج: أنا لا يهمني سوى الاعتداء على تمثال الرئيس حافظ الأسد ولا تهمني صورتي الشخصية”.

هيئة الحوار الوطني:

أيضاً تطرق فاروق الشرع في مذكراته لتشكيل “هيئة الحوار الوطني” في تموز 2011 برئاسته كاشفاً عن ضيق هوامش التحرك داخل منظومة الحكم، واحتكار القرار من قبل بشار الأسد. حاول الشرع في المشاورات التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني مناقشة القضايا الجوهرية كإلغاء المادة الثامنة من الدستور حول احتكار حزب البعث للحياة السياسية، معتبراً أنه يفقد أي عملية حوار مصداقيتها، لكن بشار الأسد كما ينقل الشرع رفض مناقشة المادة الثامنة، وصلاحيات الرئيس، كما رفض أيضاً نقل جلسات الحوار تلفزيونياً، لكن بعد مناقشة طويلة معه وافق مشروطاً أن يكون البث لجلسة الافتتاح فقط، وقد انقطع البث بالفعل من بعدها، ولم يتصور الناس أن الرئيس هو الذي أمر بقطع الإرسال التلفزيوني، لأنه وحده يملك صلاحية الأمر بذلك.

كما يعترف الشرع بأن اقتراحاته لجذب شخصيات معارضة مستقلة للحوار جوبهت بالتجاهل، وفي المحصلة تفككت “هيئة الحوار” وانتهت إلى مؤتمر شكلي لم يغير شيئاً.

يذكر الشرع أنه حاول مع بعض أعضاء القيادة القطرية تحذير بشار الأسد من خطورة المضي بالحل العسكري للأزمة خلال لقائهم به، إلا أن بشار امتعض، في تلك اللحظة قرر الشرع أن يتوقف عن الذهاب إلى مكتبه، والاعتزال في منزله.

ورغم كل المحاولات لإقناعه بالعودة، فإن الشرع كان قد اتخذ قراره المصيري، ومن بين أولئك الذين زاروه اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني، والدكتورة نجاح العطار نائبة الرئيس، إضافة إلى هيثم سطايحي عضو القيادة القطرية، الذي يظن الشرع أن زيارته كانت “بعد أن استشار رئيس الجمهورية، ولفهم ما أفكر به”، إلا أن الشرع رد على هذه الدعوات بالقول: “عندما يرتئي الرئيس إعادة عجلة الحوار السوري ـ السوري ويزودني أو يزود غيري بصلاحيات حقيقية لإنجاحه، فعندئذٍ فقط أكون موجوداً”.

وفي تموز 2013، روى الشرع الذي كان وقتئذ لايزال من الناحية الشكلية نائباً للرئيس وعضواً في القيادة القطرية للحزب كيف تم استدعاؤه إلى اجتماع مغلق عشية عقد المؤتمر، حضره محمد سعيد بخيتان الأمين القطري، وهيثم سطايحي، وأسامة عدي واقترحوا على الشرع لقاءً فردياً مع الأسد تحت شعار “مصلحة الحزب”.

رفض الشرع الفكرة وأدرك أن الأمر لا يتعدى محاولة استيعاب صوته المعارض للحل العسكري، فكما قال: “ألمح البعض إلى أن ما دار بيننا سيصل حتماً إلى مسامع الرئيس، وانصرفنا لأن مزيداً من النقاش لن يغير شيئاً”.

في اليوم التالي عقد المؤتمر داخل قصر الشعب، من دون انتخابات، ولا شفافية، ولا حتى حضور كامل لأعضاء اللجنة المركزية، بل جُلب أشخاص اختيروا من قبل الأسد وأجهزته الأمنية، وجه المتحدثون بحسب الشرع سيلاً من الانتقادات للقيادة الحزبية كلها ما عدا بشار الأسد الذي أعلن من غرفة جانبية تشكيل قيادة جديدة (لم تضم أي اسم من القيادة القطرية السابقة) من دون تصويت، واستُبعد الشرع نهائياً، وبعد المؤتمر أُغلق مكتب فاروق الشرع كنائب للرئيس، وتم تسريح جميع الموظفين، حتى عمال النظافة، وتم توزيع نسبة منهم في وزارات مختلفة، ووصلت تعليمات صارمة بمنع زيارة فاروق الشرع أو التواصل معه من قبل أي موظف في الدولة.

في نهاية مذكراته يُحمل الشرع الجهات الرسمية مسؤولية الشائعات التي دارت حول مصيره بالقول: من غير الموثق في الصحف الرسمية متى تركت منصبي الأخير نائباً للرئيس، ولم توضح القيادة التي كنت عضواً فيها، فيما إذا كنت قد قدمت استقالتي من الحزب أو أُقلت منه، ولا يبدو أن معظم الناس يعرفون حقيقة الوضع الذي كنت فيه، فقد تُرك الأمر لتكهنات وسائل الإعلام العربية والأجنبية، فتارة تعتبرني منشقاً عن النظام، وتارة أخرى في إقامة جبرية أو خاضعاً لحماية دولة كبرى.

وتأتي هذه المذكرات بعد 10 سنوات على صدور جزئها الأول بعنوان "“، والتي انتهى الشرع من كتابتها في عام 2010، قبل أشهر من اندلاع الثورة السورية، وكانت مخصصة لمرحلة الطفولة والشباب وسنوات عمله الطويلة مع حافظ الأسد، يُكمل الجزء الثاني ما تبقى من “الرواية المفقودة”، عن عهد بشار الأسد الذي خدم فيه فاروق الشرع وزيراً للخارجية من 2000 ولغاية عام 2005، ثم نائبا لرئيس الجمهورية حتى عام 2014.

مشاركة المقال: