حسمت حكومة الاحتلال الإسرائيلي موقفها برفض الرد على "مقترح ويتكوف المعدل" لصفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، الذي وافقت عليه حركة "حماس" قبل أسبوعين تقريباً. وبذلك، أغلقت إسرائيل الباب أمام أي تقدم محتمل في جهود التوصل إلى صفقة، في وقت يواصل فيه جيشها تصعيده العسكري في قطاع غزة، بهدف احتلال مدينة غزة وتدميرها ضمن عملية "مركبات جدعون 2".
أفادت "القناة 13" العبرية بأن إسرائيل "قررت رسمياً عدم الرد على المقترح". وأكدت مصادر عبرية أن "الكابينت" لن يناقش الصفقة في جلسته المقررة اليوم، مما يشير إلى تمسك رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بخيار الحسم العسكري قبل الدخول في أي مفاوضات جدية. ووفقاً للمصادر نفسها، فإن نتنياهو "يريد أن يبدأ احتلال غزة أولاً ليرى كيف سترد حماس"، وأبلغت تل أبيب الوسطاء أنها لا تعتزم التعامل مع أي "عرض جزئي"، بل تبحث فقط في "صفقة شاملة"، حسب "القناة 12".
في السياق ذاته، نقلت "القناة 14" العبرية عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إنه "عُقد اجتماع مهني في تل أبيب مع مسؤولين مصريين للتنسيق حول بدء محادثات تتعلق بإعادة جميع الرهائن وإنهاء الحرب"، ما يؤكد أن إسرائيل لا تزال تناور تفاوضياً، وأن مطلبها الأساسي هو صفقة شاملة تنهي الحرب وفق الشروط الإسرائيلية المعروفة، وأبرزها تفكيك حركة "حماس" ونزع سلاح قطاع غزة.
في المقابل، بدت القاهرة والدوحة عاجزتين تماماً عن ممارسة أي ضغط فعلي على حكومة الاحتلال لدفعها إلى مجرد الرد على المقترح. ونُقل عن مسؤول مصري شارك في المفاوضات قوله إن "الوسطاء لم يعد لديهم ما يمكن أن يقدموه"، في ظل انعدام إرادة الحل الإسرائيلية وتمسك تل أبيب بخيار التصعيد.
في الوقت الذي تتواصل فيه عمليات حصار مدينة غزة وقضمها تدريجياً، حذرت القاهرة من تبعات أي هجوم واسع على المدينة، مشابه لما جرى في مدينة خان يونس جنوبي القطاع في وقت سابق. ووفق مسؤولين مصريين مشاركين في "اللجنة الثلاثية" المصرية – الأميركية – الإسرائيلية المعنية بمتابعة اتفاقية "كامب ديفيد"، فإن الجيش المصري أبلغ الجانبين الإسرائيلي والأميركي نيته تعزيز وجوده العسكري في المنطقة "ج" من الأراضي المصرية المحاذية لغزة.
وبحسب ما نقلته مصادر مصرية إلى «الأخبار»، فإن القوات المصرية "ستدخل بأسلحتها الكاملة، وسيكون انتشارها على طول الشريط الحدودي بهدف تأمينه ومنع أي محاولات اختراق"، وذلك في ضوء توقعات مصرية بوجود تهديدات حقيقية على الحدود في حال اقتحام مدينة غزة، وتهجير سكانها الذين يبلغ عددهم أكثر من نصف مليون، في اتجاه جنوب القطاع الذي يعاني أصلاً من اكتظاظ كبير بالنازحين، ما قد يهدد باقتحام موجات بشرية للحدود مع مصر.
يبرز تراجع في الانخراط الأميركي في المفاوضات، مقابل تصريحات مبهمة ومتناقضة من ترامب.
وأشارت المصادر المصرية إلى أن "الاستعدادات اللوجستية والإدارية جارية لاستقبال وحدات عسكرية جديدة في المنطقة الحدودية"، علماً أن هذه الخطوة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق لمصر أن عززت وجودها في المنطقة أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، ليتضاعف عديد القوات المصرية أربع مرات على الأقل منذ عملية "طوفان الأقصى" في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
في خضم ذلك، برز تراجع واضح في مستوى الانخراط الأميركي في المفاوضات حول الحرب في غزة، إذ أشار الصحافي باراك رافيد، عبر "القناة 12" العبرية، إلى أن التدخل الأميركي "تراجع بشكل كبير ويكاد يتلاشى"، مضيفاً أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يكاد "لا يتابع تفاصيل ما يجري في غزة بشكل دقيق"، وسط حديث عن "حجب معلومات من قبل السفارة الأميركية في تل أبيب عن البيت الأبيض".
لكن الرئيس الأميركي عاد، مساء أمس، ليقول إن "الوضع في غزة يجب أن يُسوّى قريباً"، معتبراً أن الحرب "يجب أن تنتهي"، وإن شدد على أنه "لا ينبغي لأحد أن ينسى ما حدث في السابع من تشرين الأول". وأضاف: "أعتقد أن علينا الوصول إلى نهاية جيدة وحاسمة في غضون أسبوعين أو ثلاثة"، مشيراً إلى أن "هذه المنطقة كانت بؤرة ساخنة منذ آلاف السنين". وعلى الفور، خرج المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، لـ"يفسر" تصريحات ترامب، قائلاً إن "الحرب يجب أن تنتهي بعدم وجود حماس"، وهو موقف أعاد تأكيده وزير الخارجية، ماركو روبيو، الذي شدد بدوره على أن "الولايات المتحدة تريد إنهاء الحرب من دون حماس".
وفي ما يخص ملف الأسرى، ادعى ترامب بأن "أقل من 20 أسيراً لا يزالون على قيد الحياة"، مضيفاً أن "واحداً أو اثنين ماتا"، داعياً إلى "إنهاء هذا الكابوس". وأثارت تصريحاته هذه جدلاً واسعاً، خصوصاً أنها المرة الثانية خلال أسبوع التي يكرر فيها هذا الادعاء، ما دفع وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى التساؤل عن مصدر معلوماته.
وفي السياق، قالت قناة "كان" العبرية إن "البيت الأبيض" لم يقدم أي توضيحات، بينما أكدت مصادر إسرائيلية أن "تل أبيب لم تزود واشنطن بأي معطيات تشير إلى الرقم المذكور"، مرجحة أن يكون ترامب يستند إما إلى "معلومات استخبارية أميركية غير معلنة أو إلى استنتاجاته الشخصية من الصور التي نشرت أخيراً حول أوضاع الأسرى".