بالدبكة والزغاريد وذبح الخراف وإطلاق الأعيرة النارية، عبّر الثوار والمجاهدون السوريون عن فرحتهم بانتصار الثورة. ولكن، بعد التهنئة بهذا النصر، يتبادر إلى الذهن سؤال: ماذا بعد؟ غالبًا ما تكون الإجابة مصحوبة بمزيد من الاحتفالات، مع قلة الاهتمام بالتخطيط للمستقبل، والاكتفاء بشعار "انتصرنا وحررنا.. ومن يحرر يقرر".
الثورة التي بدأت في أوائل عام 2011، اتسمت بالعشوائية، حيث لم تتبلور رؤية ثورية واضحة المعالم، ولم يتم تشكيل فريق ثوري متكامل يتفق على أهداف محددة. لذلك، من الدقة القول إن ما حدث كان أقرب إلى انفجار اجتماعي نتيجة تراكم استبداد نظام الأسد وهيمنته الأمنية على المجتمع.
شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، بغياب الرؤية الثورية، قاد إلى نتائج كارثية. فما الفائدة من إسقاط نظام دون معرفة الخطوات اللاحقة؟ هذا التفكير، بكل صراحة، هدام. الثورات عبر التاريخ أدت إلى تغييرات جذرية، مثل إلغاء العبودية أو فصل الدين عن الدولة. أما الثورة السورية، التي يصفها البعض بـ"العظيمة"، فقد اختُزلت بشعارات إنشائية غامضة مثل "كرامة" و"عدالة".
السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لثورة باهظة التكاليف أن تقوم على مفاهيم غير واضحة المعالم؟ وهل تتحقق الكرامة تلقائيًا بمجرد سقوط النظام؟ هل يحصل السوري على الكرامة إذا كان راتبه الشهري 30 دولارًا ويعتمد على مساعدات من أقاربه اللاجئين في أوروبا؟
المواطن السوري لم يحصل من الكرامة سوى على شعارات جوفاء، مثل "من يحرر يقرر"، والتي تعني أن السلطة الحالية، بعد أن حررت المواطن من نظام الأسد، أصبحت تقرر كل شيء نيابة عنه دون استشارته.
لتجنب الانتقاد، يجب التأكيد على أن ما فات يمكن تداركه. الرؤية المستقبلية التي غابت أثناء الثورة يمكن استحضارها اليوم، من خلال توافق السوريين على عقد اجتماعي يرسم ملامح دولتهم، ويُرمم مؤسسات الدولة، ويُرسخ مبدأ المواطنة، ويحمي الحريات الشخصية، وخاصة للمرأة، ويضع دستورًا يضمن التداول السلمي للسلطة بعيدًا عن العنصرية والطائفية. عندها، تتحقق الكرامة تلقائيًا.