أعلنت وزارة المالية عن حزمة تعديلات جديدة لقانون ضريبة البيوع العقارية في سوريا، وذلك في خطوة تصفها الوزارة بأنها جزء أساسي من مشروع "الإصلاح الضريبي". دخلت التعديلات حيز التنفيذ في منتصف تموز 2025، وتشمل تغييرًا في طريقة احتساب الضريبة بالاعتماد على السعر المتفق عليه في العقد بين البائع والمشتري، بدلاً من القيمة الرائجة. كما ألغت الوزارة شرط الإيداع البنكي في عمليات البيع العقاري، وأعفت المؤجرين السوريين من ضريبة الإيجارات السكنية.
إداريًا، قررت الوزارة توحيد جميع الرسوم العقارية في ضريبة واحدة لتسهيل الإجراءات وتقليل التكاليف. وبررت الوزارة هذه التعديلات بهدف تحفيز السوق العقارية وتشجيع الاستثمار في ظل الركود الاقتصادي، مشيرة إلى أن المعدلات الضريبية الجديدة تعتبر من بين الأدنى في المنطقة. وتعتزم الوزارة إطلاق قاعدة بيانات رقمية للمعاملات العقارية لتعزيز الشفافية والرقابة.
إلا أن هذه الإجراءات أثارت جدلاً بين الخبراء الاقتصاديين، بين من رأى فيها تحفيزًا مشروطًا ومن اعتبرها خطوة محفوفة بالمخاطر.
تحفيز محتمل للسوق العقارية… ولكن بشروط
ترى الخبيرة الاقتصادية الدكتورة لمياء عاصي أن الاعتماد على القيمة العقدية قد يحرك السوق العقارية ويقلل النزاعات القانونية، خاصة بعد سنوات من الغموض في آلية التوثيق والاحتساب. لكنها تحذر من غياب منظومة تحقق مستقلة، مؤكدة أن الاعتماد الكلي على التصريحات في العقود دون رقابة فعالة قد يؤدي إلى تراجع الإيرادات العقارية والتهرب الضريبي. وتعرب عاصي عن قلقها بشأن إلغاء ضريبة الإيجارات السكنية، معتبرة إياه تخلّيًا عن مورد ضريبي ثابت في ظل العجز المالي. وترى أن دمج الرسوم العقارية قد يخفف الأعباء الإدارية، لكنه لن يكون فعالاً دون إصلاح نظام التقييم العقاري وتحديث السجلات وضمان عدالة التوزيع الضريبي.
إلغاء ضريبة الإيجارات وإشكالية الموارد الضريبية
من جهته، يبدي الخبير الاقتصادي يونس الكريم موقفًا أكثر تشددًا، معتبرًا أن إلغاء التقييم الحكومي وغياب الإيداع البنكي يعكس تنازلاً من الدولة عن أدواتها في تنظيم السوق ومراقبة المال. ويعتقد الكريم أن هذه السياسات ترسل إشارات غير مطمئنة للمستثمرين الجادين، لأنها تفترض أن السوق ستنظم نفسها ذاتيًا، وهو ما لا يسمح به الواقع الاقتصادي والمصرفي في سوريا. ويرى أن التخلي عن شرط الإيداع البنكي، الذي كان يوفر للبنك المركزي أداة لضبط السيولة والتضخم، سيضعف قدرة الدولة على الاستجابة للتقلبات الاقتصادية ويفتح ثغرات لغسيل الأموال. ويضيف أن هذه التعديلات تعطي أفضلية غير عادلة لبعض المستثمرين الكبار، وقد تستخدم لاحقًا كمبرر لخصخصة قطاعات عامة بسبب نقص الإيرادات.
الإصلاح الضريبي يحتاج إلى أدوات رقابة وهيكلة عادلة
أما الخبير عبد المنعم المصري، فيقدم طرحًا متزنًا، إذ يرى أن الانتقال إلى القيمة التعاقدية قد يكون مفهومًا ضمن واقع السوق، ولكن بشرط تطبيقه وفق معايير واضحة، خاصة في المناطق ذات الأسعار المرتفعة. وهو لا يرفض مبدأ إعفاء الإيجارات السكنية بالكامل، لكنه يشترط تحديد حد أدنى معفى من الضريبة، بما يضمن الاستفادة للفئات المحتاجة دون إهدار حق الدولة. ويشدد المصري على أهمية المحافظة على أدوات التتبع المالي، معتبرًا أن شرط الإيداع البنكي كان أداة لحصر التداول بالليرة السورية وتحقيق الاستقرار النقدي. ويحذر من أن توحيد الرسوم دون الأخذ بعين الاعتبار الفروقات بين المناطق والأغراض العقارية قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
ويتفق الخبراء الثلاثة على أن ما يقلق فعلاً هو غياب الشفافية القانونية، حيث أن النصوص الضريبية في سوريا كثيرًا ما تفسر بطرق مختلفة من قبل الموظفين، مما يضعف ثقة المواطن بالمؤسسة الضريبية. ورغم تنوع زوايا الرؤية، يتفق الخبراء على أن الاعتماد على القيمة التعاقدية دون رقابة مستقلة، وإلغاء شرط الإيداع البنكي دون وجود أدوات بديلة، يمثلان نقاط ضعف خطيرة قد تفقد الدولة موارد مهمة وتربك النظام المالي. كما يتفقون على أن توحيد الرسوم لا يعتبر إصلاحًا حقيقيًا ما لم يرافق بتحديث شامل للبنية الإدارية والرقمية في القطاع العقاري. لكنهم يختلفون في مدى جدوى التعديلات في السياق الحالي؛ فبينما يرى الكريم أنها تفرغ النظام الضريبي من مضمونه وتخدم طبقة محددة من كبار المستثمرين، تميل عاصي إلى القبول بها مشروطاً بوجود إصلاح مؤسساتي صارم، ويقترح المصري إعادة هندستها وفق معايير مرنة تأخذ بالحسبان العدالة والفعالية.
وفي المحصلة، تظهر التعديلات الأخيرة على النظام الضريبي العقاري كخطوة انتقالية طموحة نحو تحديث التشريع وتبسيط الإجراءات، لكنها بحسب الخبراء، قد تفقد الدولة أدواتها في التحصيل والمراقبة، إذا لم تستكمل بإصلاحات إدارية وهيكلية وتشريعية متكاملة، توازن بين تحفيز السوق وحماية المال العام.