في تحول ملحوظ، يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد اقتنع أخيراً بضرورة ممارسة الضغط على روسيا بهدف إنهاء حربها في أوكرانيا. ومع ذلك، يكمن التحدي الأكبر في مساعي القادة الأوروبيين لإقناع البيت الأبيض المتردد بشأن كيفية تحقيق ذلك، وسط خلافات عميقة حول العقوبات، والرسوم الجمركية، وأمن الطاقة في أوروبا.
بعد جهود حثيثة، نجح تحالف من القادة الأوروبيين في إقناع ترامب بأن روسيا لا تبدي أي اهتمام جدي بإنهاء الحرب في أوكرانيا، وأنه يجب إجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. الآن، يتعين على الطرفين الاتفاق على آلية تحقيق هذا الهدف.
شهد الأسبوع الماضي سلسلة من الزيارات الدبلوماسية المكثفة، حيث التقى كبار المسؤولين على جانبي الأطلسي لمناقشة فرض قيود مالية جديدة وخطط لقطع تدفق النفط والغاز الروسي. وذكرت صحيفة “بوليتيكو” الإلكترونية أن فريقاً فنياً رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي أُرسل إلى واشنطن للعمل على تفاصيل المقترحات التي تحظى أهدافها الأساسية بموافقة متبادلة، وذلك نقلاً عن مسؤولين ودبلوماسيين.
على الرغم من وجود إجماع واسع على ضرورة الضغط على بوتين للعودة إلى طاولة المفاوضات، تفضل إدارة ترامب استخدام الأدوات التجارية، مثل الرسوم الجمركية، لاستنزاف موارد الكرملين، بينما يصر الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات رسمية على الشركات والمؤسسات المالية التي تتعامل مع موسكو.
في الأيام الأخيرة، ظهرت علامات متزايدة على أن صبر ترامب تجاه بوتين بدأ ينفد، خاصة بعد الهجمات الروسية الأخيرة على أوكرانيا.
أبلغ ترامب مسؤولي الاتحاد الأوروبي بأنه يرغب في فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الهند والصين لشرائهما الطاقة الروسية، شريطة أن تحذو بروكسل حذوه. ومع ذلك، يعتبر هذا الأمر مستحيلاً اقتصادياً وسياسياً بالنسبة لبروكسل، خاصة بعد تأكيد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على معارضتها للرسوم الجمركية.
كما دعا الرئيس الأميركي أوروبا إلى التوقف عن شراء الوقود الأحفوري الروسي، مشيراً إلى أن الكرملين يستخدم العائدات لتمويل الحرب. لطالما أعرب ترامب عن استيائه من استمرار أوروبا في طلب المساعدة للتعامل مع الكرملين، مع استمرارها في شراء صادرات الطاقة الروسية.
كانت شبكة “سي إن إن” قد ذكرت أن الاتحاد الأوروبي فرض حظراً على واردات النفط الروسي البحرية ومنتجات النفط المكررة مثل الديزل، إلا أن العديد من الدول لا تزال تستورد الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي المسال الروسي.
وكتب ترامب على منصة “تروث سوشيال”: “أنا مستعد لفرض عقوبات كبيرة على روسيا عندما توافق جميع دول الناتو وتبدأ في فعل الشيء نفسه، وعندما تتوقف جميع دول الناتو عن شراء النفط من روسيا”.
وأضاف: “كما تعلمون، كان التزام الناتو بتحقيق النصر أقل بكثير من 100%، وشراء البعض للنفط الروسي كان صادماً!… إنه يضعف موقفكم التفاوضي وقدرتكم على المساومة كثيراً تجاه روسيا”.
وقال مسؤولون أوروبيون لـ”سي إن إن” الأسبوع الماضي، بعد اجتماع ترامب، إن فرض تعريفات جمركية جديدة على الصين أو الهند أمر غير مرجح.
وذكرت “نيويورك تايمز” أنه من شبه المؤكد أن هذه الشروط لن تتحقق، مضيفة أن “هذا أمر يعلمه ترامب ومستشاروه”.
وقالت صحيفة “واشنطن بوست” إن من غير المرجح أن يلقى اقتراح ترامب قبولاً لدى العديد من أعضاء الناتو المكوّن من 32 دولة، مفيدة بأن تركيا تُعدّ من أبرز عملاء روسيا، وقد سعت إلى الحفاظ على علاقاتها مع الكرملين برغم الحرب. كما أن المجر وسلوفاكيا لن تتوقفا عن استيراد النفط الروسي، حيث تُعدّ الدولتان حالياً المشتريين الأوروبيين الرئيسيين للنفط والغاز الطبيعي الروسيين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وأوروبيين قولهم إن طلب ترامب الأخير بدا كأنه تكتيك منه لتجنب اتخاذ خطوات ضد روسيا، على الرغم من أنهم اتفقوا على أن على أوروبا أن تضع حداً نهائياً لشراء الطاقة الروسية.
صحيفة “وول ستريت جورنال” أشارت إلى أن شروط ترامب الأخيرة لفرض ما وصفه بعقوبات كبيرة على روسيا هي خطوة بدت محسوبة لتأجيل قرارات البيت الأبيض بشأن تكثيف الضغوط الاقتصادية، لافتة إلى أنه فيما يبيع ترامب أسلحة للدول الأوروبية التي تخطط لإرسالها إلى أوكرانيا، فقد امتنع عن التبرع بالأسلحة الأميركية لكييف. كما لم يأذن البنتاغون للأوكرانيين بإطلاق صواريخ “أتاكمز” على الأراضي الروسية، كما فعل الرئيس السابق جو بايدن خلال أشهره الأخيرة في منصبه.
في الوقت نفسه، لا تُظهر روسيا أي مؤشرات تُذكر على اهتمامها بخفض التصعيد. صرحت وزارة الدفاع الرومانية بأنها اعترضت طائرة بدون طيار دخلت مجالها الجوي أثناء هجوم روسيا على أوكرانيا يوم السبت. ويأتي الاعتراض في رومانيا في أعقاب توغل كبير لطائرات روسية بدون طيار في المجال الجوي البولندي. وبعد تلك الحادثة، أعلن حلف شمال الأطلسي بدء عملية لتعزيز أمن جناحه الشرقي.
برغم التوافق الظاهر بين ترامب والقادة الأوروبيين على ضرورة الضغط على روسيا، تبقى الانقسامات حول الأدوات والأساليب المستخدمة عقبة كبيرة أمام وحدة الموقف الغربي. نجاح هذه الجهود يعتمد على قدرة الأطراف على تجاوز الخلافات الداخلية وتنسيق استراتيجية فعالة تضع حداً لتمويل الكرملين، وتدفع موسكو نحو مفاوضات حقيقية تفضي إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا.