الثلاثاء, 19 أغسطس 2025 09:37 PM

قراءة في شعر سوسن دهنيم: نصوص تلامس الروح وتعبّر عن الألم والأمل

قراءة في شعر سوسن دهنيم: نصوص تلامس الروح وتعبّر عن الألم والأمل

د. محمد الحوراني

"سوسن دهنيم"... حين تروي النصوص جدران الأرواح المتعبة، تتأرجح اللغة الراقية بمفرداتها وعمق دلالاتها بين الحب والفقد والرحيل الموجع، كشاطئ تتوزع دماء الغرقى على أطرافه. إنه شاطئ يحاول ربان السفينة فيه أن يكون مخلص البشرية مما علق بها من شوائب أفقدتها الكثير من قيمها الإنسانية النبيلة. لا مكان للمستحيل أمام صلابة الإرادة لدى ربان القيم والأخلاق في زمن الهمجية، فهو الضمير الذي يحتضن آهات الأمهات وأنين الشيوخ وصراخ الأطفال المعذبين، من خلال تراتيل الوداع الحارقة للوطن النازف: "تمنيتك إلهاً وجنة ووطناً... يا بلدي"؟!

هكذا تبدو الشاعرة البحرينية "سوسن دهنيم" في "تأويل نفي ما" صوتاً شعرياً متميزاً، يمتلك القدرة على الغوص في أعماق الفكرة للإمساك بالمعنى من خلال لغة شعرية تمتاز بالشفافية والتحكم بعقل المتلقي وقلبه، وصولاً إلى سجنه خلف شقائق الإبداع. إن فرادة نصها يجعلها بارعة في كسر القيد الملتف حول خصرها خشية "مراقصة غيره عند كتابة قصيدة جديدة، قبل أن تكتشف أنه كائن ورقي" كما تقول.

أيام "سوسن دهنيم" حبلى بأضغاث الأحلام، وقد استطاعت أن تشق الدمعة لتتقاسمها مع قلبها، ولكن من قال إن اليأس يمكن أن يتسلل إلى قلبها؟ وكيف يمكنه أن يخترق فؤادها، وهي التي "كوثرت اليباب كما تشاء"؟! لعل الوجع الماكث في أعماق غالبية نصوصها يجعلنا ندرك المعاناة والفقد المستحكمين بحياة الشاعرة، كما يضعنا في أجواء البيئة التي نشأت فيها، كاتبة مجموعتها الشعرية "وكان عرشه على الماء"، وكيف استطاعت أن تؤسس ثقافتها ومعرفتها بقراءاتها المتنوعة في الأدب والتاريخ والميثولوجيا، فأتت ثيمة الماء في المجموعة نقية طاهرة كما هو حال معظم مجموعاتها.

ولما كانت "سوسن دهنيم" ترفض الضعف والانكسار على الرغم من العواصف والهزات التي تعرضت لها، فإنها آلت على نفسها أن تخلق الفرح من الحزن، والعزيمة من الإحباط، والأمل من اليأس، لتؤكد للقارئ أن الأنثى المبدعة عصية على الإذلال والكسر، بل إنها، على الدوام، معاندة للريح وراسخة رسوخ الجبال.

تجيد "سوسن دهنيم" بناء أناقتها الشعرية بلغة عالية وبعيدة عن سطحية المعنى وقيوده، فقدمت نصوصاً لا تساوم على الحرف، كأنها، كما تقول في بعض قصائدها، قناديل متصوفة تتمايل شعلها، فيتحلق النور حول زجاجاتها، ويحط على الأرض، باحثاً عن قطرة زيت أخطأت الالتصاق بخصرها، وهي كما تقول، يسجد الماء عند قدميها، ولعرشها تتهجد القبلات، ومراياها مرايا بلقيس، كلما اشتعلت حزناً أشعلها سليمان عطراً.

وما بين "لمس"، و"كان عرشه على الماء"، و"في تأويل نفي ما" تؤكد نصوص "سوسن" مقدرتها الشعرية وسمو لغتها، فتروي جدران الأرواح المتعبة، حتى وإن أحرَجت اللغة، واستمدت مفرداتها من معين الأنوثة المرهفة.

إن نصوص "سوسن دهنيم" متمردة على جاهلية القبيلة وظلمها وعلى ذكورية بعض النصوص الأدبية، وهي تتمرد أيضاً على زيف كلاسيكية اللغة وهشاشتها، وعلى النظم الأجوف الذي يشوه أناقة القصيدة، ويضرب رقة أنوثتها وصدق كلماتها.

لقد عملت الشاعرة على الارتقاء بأنوثة القصيدة بتفجيرها ينابيع الكلمات من بين أصابع الحروف الشفيفة، ولهذا يجد القارئ نفسه منسجماً مع نصوصها، ويشعر بأنها ستكون بداية لأغنيات للقلب تهدى لـ "غائب"، هو الأكثر حضوراً، وهو الذي "كان عرشه على الماء"، وهو الذي أطلق الخيال للروح التائهة في ملكوت الإبداع الشعري. (أخبار سوريا الوطن1-بوابة الشرق الأوسط الجديدة)

مشاركة المقال: