الأحد, 27 يوليو 2025 08:15 PM

الأقاليم السورية الخمسة: رؤية للحوار والخروج من الانسداد السياسي

الأقاليم السورية الخمسة: رؤية للحوار والخروج من الانسداد السياسي

د.محمد حبش: في مهرجان ضخم وغير مسبوق، كشفت الدولة السورية الجديدة عن هويتها البصرية، وقد تميزت المهرجانات بالتحضير المتقن والانطلاق الواسع والتأثير الكبير. وشمل الشرح استخدام ريش العُقاب التي تمثل 14 محافظة في سوريا، بالإضافة إلى الظلال الخمسة في أسفل العقاب، والتي وصفها الرئيس الشـرع بأنها الأقاليم الجغرافية الخمسة لسوريا: الإقليم الشرقي، والغربي، والشمالي، والجنوبي، وإقليم المركز.

على الرغم من أن هذا المفهوم جديد على الثقافة السورية القومية البعثية، إلا أنه يمثل ضرورة حتمية ومجتمعية وسياسية نحو الدولة الحديثة، وقد يشكل أساساً منطقياً لسوريا الجديدة. الواقع السوري يشير إلى أن سوريا الموحدة المركزية، التي حكمها حافظ الأسد بقبضة من حديد، لم تعد ممكنة إلا عبر صفيح ساخن من الحرب وضحايا ودماء.

من وجهة نظري، هذه الصيغة غير مطلوبة، بل يجب أن تكون سوريا موحدة في ظل نظام لامركزي يوفر الأمان والكرامة للسكان ويعيد الطمأنينة لكل مواطن. هذه الحقيقة أدركها الآباء السوريون الأوائل وأنجزوا قانون التنظيمات الإدارية رقم (496) تاريخ 21/11/1957، الذي اتسم بالعقلانية والموضوعية، وفهم حاجات المناطق السورية المختلفة، ومنح المحافظات حق اختيار ممثليها ومجالسها الاستشارية وإحياء اللغات المحلية والثقافة التراثية السائدة في كل إقليم.

كان قانون التنظيمات الإدارية (أو قانون الإدارة الذاتية) كافياً لمعالجة التوتر والريبة بين العاصمة والأطراف، وشعرت الأطراف بأنهم شركاء لا أجراء، وشعرت الدولة أيضاً أن لديها شركاء لا موظفين. للأسف، لم يستمر هذا القانون طويلاً، فبعد عام وشهرين قامت الوحدة العربية بين سوريا ومصـر وتم إيقاف مفاعيل هذا القانون ليحل مكانه قانون آخر عام 1960 أصدره جمال عبد الناصر بعنوان قانون الإدارة المحلية الذي اعتمد نظاما ًمركزياً مفرطاً، وكانت النتيجة انهيار الوحدة وانفصال الإقليم الشمالي عن الإقليم الجنوبي.

في عام 2011، أعاد النظام السوري إصدار قانون الإدارة المحلية، ومع أنه نص على دور اللامركزية، إلا أنه أصدر القانون بصيغة استبدادية، وحول حقوق المحافظات إلى ديكورات تجميلية. وظل الموظف يحتاج في تعيينه لقرار من السلطة المركزية، وكان النظام يصـر على إرسال محافظ من غير المنطقة، مما أدى إلى غياب الثقة بين الدولة وبين الناس.

على الرغم من النص الهزيل لقانون الإدارة المحلية 2011، فإن النظام لم يطبقه أيضاً، بل ظل التواصل مع الوحدات الإدارية يتم عبر المخابرات وضباط الأمن. اليوم، تحتاج سوريا إلى اعتراف بفشل الأنظمة المركزية في صناعة الوحدة المجتمعية، وفشل الأنظمة الاستبدادية في تنمية البلاد، وتسبب النظام الاستبدادي المركزي في تدمير الوحدة الوطنية.

إن العمل على قيام خمسة أقاليم جغرافية تتمتع باللامركزية الإدارية يعتبر حلاً محتملاً لواقع الاحتقان والصـراع. يكاد يكون من المستحيل التفكير بهذه الحلول في ظل الإعلان الدستوري الحالي الذي أعاد تأكيد المركزية بشكل مفرط، وألغى مناصب أساسية في الدولة كرئيس الوزراء وخنق صلاحيات المحكمة الدستورية العليا، وألغى انتخابات مجلس الشعب، ولم يمنح المكونات الرئيسية في البلاد أي مشاركة في صناعة القرار.

ولكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وعلينا أن نقدم للرأي العام خيارات وحلولاً ممكنة من اللامركزية الواعية تنقذ البلاد من الواقع المخيف. الوحدة السورية باتت اليوم مهددة، بعد الأحداث الدامية في السويداء والتي زاد في تعقيدها التدخل الإسرائيلي السافر، وقد بات الشرق السوري أمام سيناريوهات مختلفة، وعلى الدولة أن تتحرك بسرعة للوصول إلى خيار وطني ينقذ سوريا ويكف عنها أيدي الغرباء.

ومع أن الهاجس الطائفي هو أصعب الهواجس، ولكن هذا لا يقلل أيضاً من الجوانب الموضوعية الأخرة لقيام لامركزية إدارية تناسب واقع السوريين. فاللامركزية ليست اضطراباً وطنياً، بل هي مصطلح أصيل معروف في القانون الدستوري الدولي، واعتبره جوهر قيام التنمية والحرية والكرامة.

الدفاع والخارجية في المركز، ثم لكل وزارة أخرى حقل مركزي وحقل محلي، ينظمه القانون، وهكذا تبقى الدولة موحدة في سياق اختيار الناس وكرامتهم. أمريكا خمسون ولاية، وألمانيا ولايات وبريطانيا أربع دول تاريخية، والإمارات سبع إمارات، وهذا يجري في العالم كله بسلاسة واحترام، وأنا أعتبره في بلاد كبلادنا أهم ضمانة لوحدة البلاد ومنع الاستبداد.

نعم أنا مع فكرة الأقاليم الخمسة، ومع قانون جديد للإدارة المحلية يبني رؤية موحدة لوطن يقوم على خمسة أقاليم، تتحدد اهتماماتها بحاجات كل إقليم في الجغرافيا والثقافة واللغة، وكذلك اهتماماتها الدينية والمذهبية، وتظهر فيها قوى سياسية فاعلة، توفر الفرص لطبقة سياسية فعالة، وتمنع قيام استبداد جديد، والأهم هو بالطبع الإنسان.

(أخبار سوريا الوطن 1-صفحة الكاتب)

مشاركة المقال: