في الأول من سبتمبر 2025، اجتمع وزير الطاقة المهندس محمد البشير مع رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري، مالك شركة "نوفاتيرا للطاقة"، لمناقشة فرص الاستثمار في قطاع الطاقة، وخاصة في مجالي النفط والغاز.
لكن وراء هذا اللقاء الرسمي، قدمت شركة "نوفاتيرا" عرضًا يثير جدلاً لوزارة الطاقة لإعادة تأهيل وتطوير حقول الغاز لمدة 25 عامًا، بتكلفة معلنة تبلغ 5 مليارات دولار. يبدو العرض في البداية كطوق نجاة لقطاع الطاقة المتعب، ولكنه يكشف عند التدقيق عن نقاط ضعف خطيرة وشروط غير عادلة.
أول ما يلاحظ هو طلب الشركة فترة "حصرية" مدتها 120 يومًا للتفاوض، قابلة للتمديد، للوصول إلى اتفاق لتقاسم الإنتاج قبل نهاية ديسمبر 2025. وهذا عمليًا يمنح "نوفاتيرا" ميزة كاملة على أي منافسين، ويغلق الباب أمام الشفافية والمنافسة الحرة.
تسوق الشركة خطتها على أنها ستضيف 15 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا بحلول السنة الثالثة، لكنها تطلب في المقابل ضمانات حكومية لدفع حصتها من الغاز إذا لم تكن العوائد كافية لتغطية نفقاتها. وهذا يعني ببساطة تحميل الدولة مخاطر الاستثمار، بينما تحتفظ الشركة بحقوق المكثفات والسوائل المرتبطة لتحقيق أرباحها.
تبدو الأرقام الكبيرة التي قدمتها الشركة جذابة في ظاهرها، لكنها مبنية على تقديرات أولية "عالية المستوى" كما وصفتها الوثيقة نفسها، مما يجعلها أقرب إلى وعود غير مؤكدة. وحتى بعد ضخ مليارات الدولارات، يظل الإنتاج المستهدف عند 15 مليون متر مكعب يوميًا، وهو رقم لا يرقى إلى الطموحات الوطنية.
الأخطر هو أن العرض يتضمن سعي "نوفاتيرا" للاستحواذ على حصص شركات أجنبية مثل "بترو كندا/ سَن كور" و"آينا" في حقول حيان وإيبلا - والتي لديها عقود سابقة ومستحقات مالية كبيرة، وخرجت من سوريا بالقوة القاهرة في زمن الأسد - مع تخصيص 100 مليون دولار لذلك. خطوة كهذه تفتح الباب أمام احتكار شبه كامل للقطاع من قبل شركة واحدة يقودها رجال أعمال مرتبطون تاريخياً بشبكات النفط العالمية وشركات الخدمات الغربية.
باختصار، ما تقدمه "نوفاتيرا" ليس مجرد برنامج استثمار، بل مشروع طويل الأمد يمنحها سيطرة تشغيلية ومالية على أهم موارد البلاد، مع تحميل الحكومة السورية جزءًا كبيرًا من المخاطر وضمان أرباح المستثمرين.
يبقى السؤال: هل ستتعامل وزارة الطاقة مع هذا العرض كفرصة استثمارية حقيقية، أم ستخضعه لمراجعة علنية شفافة تضع مصلحة السوريين فوق مصالح الشركات؟